القراصنة والقياصرة

01:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

يصف القس أوغستين المفكر الشهير، مواجهة بين الامبراطور الكسندر الأكبر وقرصان أسير. الاسكندر يسأل القرصان: كيف تجرؤ على الاعتداء على البحر؟ يفاجئ القرصان الجميع برده على القيصر الأكبر: كيف تتجرأ على الاعتداء على العالم بأسره؟ أنا أملك زورقاً صغيراً، ويطلق عليّ قرصان وسارق. أنت تمتلك أسطولاً بحرياً ولهذا تسمى امبراطوراً.

وتميل وسائل الاعلام الرئيسية إلى رؤية العالم من وجهة نظر الامبراطور.

ولذلك، غطت مؤخراً القناة الرابعة البريطانية قرصنة وفوضى المحيط الهندي بتعبيرات غاضبة، إذ علق تقريرها:

استولى القراصنة على ناقلة نفط. القراصنة الصوماليون الذين ظلوا يخطفون السفن ويفدونهم بملايين الدولارات عثروا على جائزتهم الكبرى حتى الآن.

بيد ان عقوداً وقروناً ستنقضي قبل أن تعلق القناة الرابعة على الأسطر التالية: استولى القراصنة على دولة غنية بالنفط. القراصنة الأمريكيون والبريطانيون الذين ظلوا يخطفون دول العالم الثالث عثروا على جائزتهم الكبرى، العراق.

ووجهة نظر الامبراطور واحترامه كانت واضحة أيضاً في صحيفة الغارديان الأسبوع الماضي عندما أوردت خبر تمرير البرلمان العراقي لاتفاقية أمنية، ونظرياً تضع الاتفاقية جدولاً زمنياً لانسحاب كل القوات الأمريكية من العراق. وحول هذا كتب مارتن شولوف: أيد الشيعة والأكراد الاتفاقية بقوة، باستثناء كتلة العداء الخبيث لأمريكا التي يتزعمها مقتدى الصدر.

تخيل لو أن شولوف يصف جورج بوش بأنه خبيث العداء لإيران أعتقد ان وصفاً كهذا لا يعقل ولا يمكن تصوره. لماذا؟ لأن كلمة خبيث أو شديد العداء تقترح عدم الموافقة والتضاد اللذين يدلان على التحيز والتعصب لوجهة أو رؤية معينة، والتقارير الاخبارية يفترض أن تكون مجردة وحيادية. على الأقل عند التعامل مع الأباطرة، أما القراصنة فشأن آخر.

أكد شولوف من دون تحفظ أن الاتفاقية مهدت الطريق لانسحاب أمريكي خلال ثلاث سنوات وسحب الجيش من الشوارع والأحياء والمدن في شهر يونيو/ حزيران العام القادم.

ورحبت صحيفة التايمز بأخبار الانسحاب بثقة مشابهة لمقال شولوف وكتبت مقالاً بعنوان نهاية الحرب في العراق بالنسبة للقوات الدولية. ومثل هذا العنوان الاستثنائي يرجعنا إلى ذكريات يونيو/ حزيران ،2004 عندما أعلنت وسائل الاعلام تسليم الولايات المتحدة وانجلترا السلطة والسيادة للحكومة الانتقالية العراقية. وقالت مراسلة الأخبار في الاذاعة البريطانية بي بي سي أورلاغورين مخاطبة الجمهور المحلي البريطاني: سينتهي الاحتلال قريباً جداً. وأضافت كانت لمقتل الجندي البريطاني في البصرة طبيعة مأساوية خاصة لأنه كان آخر جندي يقتل تحت الاحتلال.

وحينذاك أبدى الصحافي المخضرم في شؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك تحفظه وشكوكه وقال: نحن الذين وضعنا علامات استفهام حول التحرير في 2003 يجب علينا الآن أن نضع علامات استفهام حول السيادة.

ومثلما فعلت قبل غزو العراق، صورت الصحافة الغربية أحداث مومباي الفظيعة التي جرت نهاية الشهر الفائت بأنها حلقة من حلقات حرب الارهاب. وذكرت التايمز قراءها بأن أجهزة المخابرات الغربية كانت تتوقع هجوماً إرهابياً ضخماً للقاعدة. في الفترة الحساسة قبل أن يحل أوباما محل بوش. وذكرت الصحيفة أن هجمات مومباي تحمل كل علامات استراتيجيات القاعدة مثل اختيار أهداف غربية مكشوفة وسهلة.

وعلى نفس الوتيرة، أعلن مراسل ال بي بي سي للشؤون الأمنية فرانك غاردنر على عجل أن هجمات مومباي تحمل كل السمات المميزة لنمط هجمات القاعدة وفي اليوم التالي لاحظ غاردنر انه قفز إلى النتائج من دون تدقيق وروية، فقال: معظم موظفي ومسؤولي الاستخبارات تفكيرهم مفتوح على كل الاتجاهات لأن الهجمات أنتجت أدلة وخيوطاً متشابكة ومتضادة.

وعلى النقيض من ذلك، ذكرت صحيفة الجارديان ان عدة تنظيمات ومجموعات مسلحة باكستانية كانت منهمكة في أن تجعل من شبان باكستانيين متطرفين. واحدى المجموعات التي تعتبر متهماً رئيسياً في هجمات مومباي، وهي جماعة لشكر طيبة كان تركيزها 100% على الهند وفقاً ل بي. رامان المسؤول السابق في وحدة الأبحاث والتحليل بوكالة الاستخبارات الخارجية الهندية.

وأوضحت الحكومة الباكستانية الجديدة برئاسة آصف زرداري انها تسعى لعلاقات أفضل مع الهند. وحول هذا تعلق سامينا أحمد مديرة قسم جنوب آسيا في مجموعة الأزمات الدولية ICG لقد جاءت هذه الهجمات في وقت لم تكن فيه الحكومة المدنية الباكستانية الجديدة تسعى فقط لطرق أبواب الهند، بل كانت تقوم باتخاذ خطوات ايجابية ذات مغزى عميق في تحسين علاقتها مع الهند. فهذه اللحظة بالنسبة للمجموعات الجهادية في باكستان تعتبر وقت حياة أو موت.

ان الاشمئزاز من القراصنة الذين ذبحوا أبرياء كُثراً في مومباي، هو اشمئزاز مبرر بلا ريب، بيد ان الاشمئزاز من الامبراطور غائب بشكل ملحوظ، حتى في الوقت الذي يرتجف فيه العالم من امكانية حدوث مواجهة بين الهند وباكستان.

ونوهت صحيفة الغارديان أيضاً ب القلق العالمي العميق من الآثار التي ستنتج جراء هجمات مومباي على الجارتين النوويتين.

وعلى الرغم من القلق العميق، لم تأت التلغراف ولا الغارديان ولا أي صحيفة انجليزية على ذكر دور الغرب في المساعدة على جعل الحرب النووية ممكنة في آسيا.

يمكننا القول بثقة، إن شيئاً لم يتغير منذ عهد الاسكندر الأكبر، أعتقد انه لو كان حياً كان سيعجب ويقدر الدعم المقدم من تقارير صحافتنا المعاصرة الحيادية الموضوعية المتجردة!.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"