عادي

حكايات صينية غير عادية

22:07 مساء
قراءة دقيقتين

القاهرة: «الخليج»

هل تساءلت يوماً عن السبب الذي وصل بالصين إلى تلك النقلة الكبرى في فترة وجيزة؟ ألم تضرب المجاعات هذا البلد وتكبد كثيراً من ويلات الحروب؟ كيف تجاوزت الصين كل ذلك لتصبح الآن ثاني أكبر اقتصاد عالمي؟، الإجابة تكمن في كتاب «وجوه لا تلتقيها مرتين» للكاتبة لي يوان تشنغ وقد ترجمه إلى العربية أحمد سعيد راشد، وصدر عن بيت الحكمة. تعرض الكاتبة الأحداث الخفية والتفاصيل المبهمة، التي أنتجت لنا تلك التنمية الهائلة، والنقلة النوعية ولكن من منظور إنساني بحت، فهو لا يتطرق إلى استراتيجيات، ولا سياسات، ولا أي خطط خمسية.

يركز على الإنسان فحسب، يصف ما ناله من شقاء، وما أصابه من عناء، في سبيل كسب لقمة العيش حيناً، وتحقيق التنمية حيناً آخر، دون أن يتورع عن ذكر السلبيات التي قاستها تلك الشخصيات طوال رحلتها، فيسجل عبراتهم التي سكبت، ودماءهم التي نزفت، دون أن يرسم صورة براقة لتلك المكدرات، بل يذكرها على سبيل النقد تارة، وبيان جلد هؤلاء الأبطال وقوة بأسهم مرة أخرى.

يحكي الكتاب قصصاً واقعية، أبطالها ناس عاديون، عاشوا في عقود مختلفة، على مدار أكثر من نصف قرن، ويستعرض ملامح روحهم ومظاهر كفاحهم، وقد جابت الكاتبة الصين طولاً وعرضاً لأكثر من عشرين سنة، فذهبت إلى موقع تأسيس خط السكة الحديد، ذلك المكان الملقب بالمنطقة المقفرة، ولكونها أول صحفية تطأ بقدمها هذا الموقع أطلقوا عليها لقب «وردة الصحراء»، عقدت هناك العديد من اللقاءات مع العاملين وكتبت تقريرها «وحدها السحب تعلم».

وتجشمت مشقة السفر مرة أخرى لما يفوق 30 ساعة حتى تصل إلى جبل «تشيوأر» الملقب ببوابة الجحيم الذي بني فيه أول نفق علوي في العالم، وعلى الرغم من معاناتها من ضيق التنفس الحاد هناك، فإن ذلك لم يثنها عن تدوين تقرير «وجوه لا تلتقيها مرتين» كما أنها جلست داخل سيارة الصهريج لتنزل إلى عمال مناجم تجري مقابلات معهم في الموقع هناك، حتى تكتب «ورود تزهر تحت الأرض» كما سجلت تفاصيل عمليات إنشاء الخط السادس لمترو بكين وكتبت «الهروب ليس خيارنا» ثم تناولت قلمها ودونت «سعادة لا يدركها الآخرون» بعدما عاينت بنفسها ظروف حياة عمال صيانة سكة حديد «تشينغ تسانغ» ثم صعدت أعلى نقطة حراسة في الصين بأسرها، وفرغت كل ما شاهدته هناك في تقرير «ابن الجبل الجليدي».

يعرض الكتاب لتلك الروح التي يعيش بها العمال في الدول الكبرى، فهو كتاب يرسم صورة مصغرة لنهضة الأمة الصينية، عبر قصص عظيمة لأناس بسطاء، ويجسد فترات متألقة لأشخاص عاديين، لقد عبرت الصين اليوم من عصر القطار الأخضر إلى القطار فائق السرعة، ومن الرسائل الورقية إلى المحادثات الرقمية، ومن أزقة الريف الضيقة إلى رحابة الطرق السريعة، ومن المجاعات إلى رغد العيش، باختصار لقد تحولت من مجرد دولة كبيرة إلى دولة قوية، ويعود الفضل في ذلك إلى هؤلاء العمال المتواضعين، أبطال الظل الذين لهم الفضل في نهضة الصين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kurfjun

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"