رغيد جطل
من طبيعة النفس البشرية، أنها تحب الاستزادة من كل ما فيه الخير لها، فتجد الإنسان إذا أُعطي مالاً، فإن نفسه تطلب المزيد منه، وإن أكل طعاماً واستطابته نفسه، تمنى المزيد منه، وكذا في جميع أمور حياته. هذه الاستزادة من متع الدنيا ينبغي ألا تشغله عن الاستزادة مما فيه الخير له في الدنيا والآخرة، واغتنام الأوقات التي تزداد فيها حسناته ويعلو بها مقامه عند الله، سبحانه وتعالى، ومن هذه الأوقات العشر من ذي الحجة، هذه الأيام المباركة التي قال فيها النبي، صلى الله عليه وسلم، «ما من أيَّامٍ أعظمُ عندَ اللهِ ولا أحبُّ إليهِ العملُ فيهنَّ من هذِه الأيَّامِ العشرِ فأكثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ والتَّحميدِ والتسبيح والتَّكبيرِ»، وإن كانت هذه الأيام قد مضى بعضها فما زال في البقية الخير والبركة؛ بل إن أعظمها، وهو يوم عرفة، لم يأتِ بعد، والمؤمن أمامه فرصة كبيرة لاغتنام هذا اليوم والإكثار فيه من الأعمال الصالحة، فالله سبحانه له في دهرنا نفحات، وهذا اليوم هو من نفحات الله؛ إذ إنه في هذا اليوم اكتمل الدين وهو يوم أقسم الله به والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: «وشاهد ومشهود» (البروج: 3)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة»، كما أنه اليوم الذي يباهي الله به ملائكته بطاعة عباده، وقد أتوا إليه ملبين دعوته متجردين من متع الدنيا، ألسنتهم وأفئدتهم تلهج: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
يوم عرفة فيه الخير الكثير والأجر العظيم، فعلى المؤمن أن يغتنمه بما استطاع من وجوه الخير، وأولها صيامه فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: «يُكفر السنة الماضية والسنة القابلة»، وثانيها الصدقة؛ إذ إنه يسبق يوم العيد، ومن أعظم الأعمال إدخال السرور على الفقراء والمحتاجين في ذلك اليوم، وعلى المتصدق مع هذا أن يعتقد أن حاجته إلى ثواب الصدقة ومضاعفتها في هذا اليوم أشد من حاجة الفقير إلى ماله، وثالثها الإكثار من تلاوة القرآن والذكر والتسبيح والتهليل، وإن كان الحاج لبى نداء ربه وتوجه نحو بيته، فالمؤمن كذلك في كل بقاع الدنيا، يلبي نداء الله ويُكثر من الأعمال الصالحة التي ترفع مقامه عند ربه.
