عادي

﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّه﴾

23:58 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

من بدهيات الأمور، أن كريم الطباع، حسن الأخلاق، ينسب الفضل إلى أهله، ومن حاد عن هذا، فإنه ناكر للمعروف، جاحد لفضل من أكرمه، والمسلم يعترف بفضل الآخرين عليه، وبما تم له من نعمة على يد غيره، هذه حال المسلم مع من أكرمه أياً كان ذلك الإكرام، حتى ولو أسدى إليه معروفاً بسيطاً، والسؤال كيف ستكون حال المسلم مع أكره الله، سبحانه وتعالى، به من نِعم، وما زال متفضلاً عليه ألا يعترف بحقه وفضله؟

في البداية لا بد أن نتفكر في أنفسنا، وما أكرمنا الله به من نِعم، نتقلب فيها ليل نهار، فلو أن أحدنا ظمئ واحتاج إلى كأس من الماء لما استدعى ذلك منه إلا ثواني قليلة للوصول إليها، وكذا الحال في أمور كثيرة، نستطيع أداءها بفضل ما أكرمنا الله من جوارح، ثم لو انتقلنا بنظرنا إلى النعم المحيطة بنا، وإلى ما يسره الله لنا من وسائل نقل، وأدوات علم ومعرفة، ثم لو نظرنا إلى ما أكرمنا الله به من أسر وأولاد ومال وأمور لا نستطيع إحصاءها، هي نِعم نرفل بها، ولا ندرك قيمتها، إما لأننا ألِفنا النعم واعتدنا عليها، وإما لأننا لم نجرب فقدان إحداها؛ لذا الأمر يتطلب منّا ألا نبقى في نطاق التفكير؛ بل أن يدفعنا تفكيرنا إلى أمرين مهمين؛ أولهما أن نعترف أن المنعم في كل ما نحن فيه من خير، هو الله، سبحانه وتعالى، القائل (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّه) النحل:53، و(ما) هنا تفيد الاستغراق؛ بمعنى أن جميع ما يحيط بنا وبمن حولنا من نعم، مرده إلى الله، سبحانه وتعالى، والاعتراف بأن الله هو المتفضل علينا بالنعمة، سبب لدوامها، وخلاف ذلك سبب لزوالها، فها هو قارون علمه الله صنعة الذهب، لكنه جحد فضل الله، وأنكر عطاءه، وأخذته العزة بالإثم، فنسب الأمر إلى نفسه، فأذهب الله عنه النعمة، وقد نقل لنا القرآن الكريم حكايته ومآله (قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِىٓ) ثم جاءت نتيجة كلامه (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ) القصص: 81، ومن لم ينسب الفضل إلى الله، أوكله الله إلى نفسه، وصاحب الجنتين مثال لذلك (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِم لِّنَفسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِٓ أَبَدا * وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَة وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيرا مِّنهَا مُنقَلَبا) الكهف: 35 36، وكانت النتيجة أن أُحيط بثمره، وذهب ما في جنتيه من نعيم.

وثانيهما أن يؤدي حق النعمة؛ وذلك بشكرها، ويكون الشكر بألا يستخدم النعمة بغير مرضاة الله، وأن ينفق منها على عباد الله، ومن كانت تلك حاله، بارك الله له في ما آتاه، وأدام النعمة عليه.. اللهم عرفنا نعمك بدوامها ولا تعرفنا نعمك بزوالها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mnv6a63e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"