عادي
يعيد زمن أفلام مصر ولبنان المشتركة

«حسن المصري» مساحة سينمائية ممتعة

23:47 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

ليس كل ما يعرض في الصالات السينمائية ذهباً، لكن بعض الأفلام ترغب في اللحاق بها لمشاهدتها، أينما كانت، سواء عرضت في الصالات، أو على إحدى المنصات، بل يمكنك إعادة مشاهدتها عبر الإنترنت، لأن فيها من الجمال ما يمتعك ويشعرك بأنك أمام صناعة تحمل توقيع حرفيين، من الإخراج، إلى التصوير، إلى النص والتمثيل. فيلم «حسن المصري» مساحة سينمائية تريح المشاهدين، تعيد إلى الأذهان تلك الأفلام التي جمعت بين منارتي الفن والجمال: مصر ولبنان، بتوقيع المخرج المبدع سمير حبشي، والمنتج جابي خوري (شركة «أفلام مصر العالمية»). مساحة تستمتع بكل ما فيها حتى الموسيقى، وتتفاعل مع الأحداث، حتى الختام الذي يبدو مرّاً، ولكنه مقبول، ومنطقي.

بلا ضجيج، ولا محاولات للفت أنظار الجمهور مسبقاً، انتقل النجم أحمد حاتم من الأفلام الرومانسية، إلى البطولة المطلقة لفيلم مبني على «الأكشن»، والحركة، والقتال، والمطاردات، مجسداً شخصية هي محور العمل من اللقطة الأولى، وحتى المشهد الختامي، حتى أن الفيلم يحمل اسمها «حسن المصري».

لذا يعتبر رهان المخرج سمير حبشي، والمنتج جابي خوري، على أحمد حاتم لأداء هذا الدور مغامرة، إنما المعروف عن هذين الرجلين أنهما يجيدان تقييم الممثلين، وتقييم القصة، ويعرفان جيداً متى، ومن، وكيف، ولماذا يتم اختيار فلان، وفلانة، وكل من يشارك في أي من أعمالهما الثلاثة التي قدماها معاً، «سيدة القصر»، (2002)، عن قصة السيدة نظيرة جنبلاط، و«دخان بلا نار» (2008)، وأخيراً «حسن المصري».. وجاء اختيارهما لأحمد حاتم موفقاً، ليفتح باباً أوسع أمام هذا النجم لينطلق سينمائياً باتجاه اختيارات جريئة تتيح له تطوير أدواته، وتقديم ما لديه من طاقات.

ليس جديداً على جابي خوري العمل بين مصر ولبنان، يذكّرنا بخاله الراحل الكبير يوسف شاهين الذي أبدى إعجابه يوماً بالمخرج سمير حبشي، وأوصى ابن شقيقته بالتعاون معه من خلال شركتهما «أفلام مصر العالمية»، وهكذا فعل، كما يقول خوري. ولا يمكننا اليوم الحديث عن سمير حبشي من دون التطرق إلى كل فريق العمل الذي شارك في تقديم الفيلم بهذه الحرفية العالية في التصوير، واللقطات، والتقنيات، لتقديم عمل يشبه الأفلام الأجنبية، «أكشن» استخدمت فيه «الدرون» في معركة حسن مع الخاطفين، وفي مهمة استطلاع الأماكن، بجانب تقنيات التتبع الحديثة.. فيلم ترافق فيه مرة أخرى اسم حبشي مع مدير التصوير البارع ميلاد طوق.

بساطة

نحو 90 دقيقة من التشويق، والغموض، والمواقف الإنسانية، والمناظر الطبيعية الخلابة.. عن قصة نورا لبيب، وسيناريو وحوار سمر طاهر، بطولة أحمد حاتم، دياماند بو عبود، لينا صوفيا بن حمّان، جينفر عازار، أيسل محمد رمزي، جاد أبوعلي، مراد مكرم، فريال يوسف وجورج كعدي. القصة بسيطة تشعر بسلاسة وانسيابية في تسلسل الأحداث والحوار وأداء الشخصيات. لا ملل ولا تطويل، لا مبالغة، ولا فرد عضلات، وافتعال للأكشن، بل ينجح حبشي في تقديم عمل عربي بلغة سينما الغرب.

منذ بداية الفيلم، نرى حسن (أحمد حاتم)، متقوقعاً، يعيش مع حزن ما، نجهل مصدره، يرفض التعامل مع الناس، يتأمل سماعة الأذن التي يتعمد عدم استخدامها، كدليل واضح لرفضه ما آلت إليه أحواله، فَقدَ سمعه نتيجة حادث لن نفهم تفاصيله، إلا لاحقاً. يعيش وحيداً في منزل أشبه بالشاليه في إحدى قرى الجبل اللبناني، تتواصل معه صديقته التي نفهم تباعاً أنها حبيبته جويل (دياماند بو عبود)، طالبة منه العودة إلى الحياة، والعمل.

«روحي ماتت، راحت زي السمع كده».. «مش قادر أعيش عشان أحب»، يتحدث حسن بحرقة وحزن شديدين، زاهد في كل شيء، يرفض بقاءه على قيد الحياة، كما يرفض الاستسلام لفكرة استعادة الحياة الطبيعية، كأن شيئاً لم يحصل.

«عمرك شفتي ميت بيحب؟»، هكذا يعبّر لجويل عن مشاعره، وهي تصر على انتزاعه من القوقعة، ومن حالة الاكتئاب التي يغرق فيها. يختار حبشي تقديم قصة حسن، وما حصل له وأدى إلى إصابته، وانهيار حياته، عبر مقتطفات تطل بين الحين والآخر كلما انفرد حسن مع نفسه، وتأمّل سماعة أذنه، أو فتح هاتفه واستعاد لحظات ومواقف مع مريم أخته (أيسل محمد رمزي).

انفجار

حسن كان يعمل في شركة حراسة، ويقوم بتدريب حراس أمن على أعلى المستويات في مصر، ويعتني بشقيقته مريم، ويتواصل باستمرار مع حبيبته اللبنانية جويل، إلى أن خرج في أحد الصباحات ليوصل شقيقته إلى النادي، وأثناء حديثه مع جويل عبر الهاتف، صعدت مريم إلى السيارة، وطلبت منه تشغيل المحرك كي تسمع الموسيقى، وما إن أدار محركها حتى دوّى انفجار أدى إلى مقتل مريم وإصابة حسن بالصمم. يغادر إلى لبنان، وتتولى جويل الاعتناء به، وبحالته النفسية، محاولة إعادته إلى العمل من خلال شركتها المتخصصة في حماية وتأمين تنقلات القادمين إلى لبنان.

وبعد إصرار منها يتولى حسن اصطحاب فتاة مصرية تدعى نادية حامد (لينا صوفيا بن حمّان)، من المطار ليوصلها إلى الفندق على أن يكون مسؤولاً عنها، وعن تنقلاتها طوال مدة إقامتها، لكن ما لم يكن في الحسبان أن تكون نادية في نفس سن شقيقته مريم، وبينهما شبه في بعض الملامح، وفي الروح المرحة، والتصرفات، والابتسامة، وحب الحياة، فهل يهرب منها حسن كي لا يزيد ألمه وتكبر حسرته، أم يجد فيها علاجاً يساعده على استعادة الابتسامة، ولو لأيام قليلة؟

مفاجآت

تزيد المؤامرات، وعملية اختطاف نادية، من جرعة التشويق، لنفاجأ بالأحداث تأخذنا نحو العصابات ومافيا تجار السلاح، وصفقات غير شرعية، ونقل شحنة سلاح كانت متجهة إلى ليبيا لتغيير مسارها نحو سوريا، وتتوالى المفاجآت، وتكبر دائرة الخطر، والشك، فينخرط حسن مجدداً في قلب «المهمة الصعبة» محاولاً إنقاذ نادية قبل فوات الأوان وقبل أن تلقى مصير أخته مريم، فهل ينجح؟

مشاهد سياحية

يجوب المخرج سمير حبشي لبنان من عاصمته وليل السهر فيها إلى أقصى شماله وغابة الأرز وعيون أرغش نزولاً إلى الساحل ومدينة جبيل ثم صعوداً مجدداً باتجاه الجبل ثم سهل البقاع. جولة تعيد إلى المشاهدين وجه لبنان السياحي وتمنح الفيلم جمالاً إضافياً. ليس في القصة ما يفوق الخيال أو ما يعتبر فوق العادي، لكن التصوير الخارجي الطاغي والتصوير من الجو، والإخراج وروح فريق العمل والتناغم بين الممثلين وسلاسة أدائهم جميعاً لاسيما لينا صوفيا ببساطتها وعفويتها.

كلها مميزات منحت الفيلم بصمة مختلفة، ولا نبالغ إن قلنا إن «حسن المصري» أعاد إلينا الحنين وفتح شهيتنا لمشاهدة المزيد من الأفلام المصرية اللبنانية الجميلة الراقية التي تسعى إلى تقديم الفن للفن والصناعة السينمائية الحقيقية التي تنعش السوق وتروي ظمأ المشاهدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3jccfzt7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"