قصة قصيدة أو قصيدة قصّة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يكن عزرا باوند (1885-1972) أوّل ولا آخر شاعر يكتب قصائد في قلبها قصص، أو يكتب شعراً بقليل من التدوير يصبح سرداً أو حكاية، وفي الغالب هي حكاية صغيرة أو قصيرة، مثل قصيدة «زوجة تاجر النهر»، وقد كتبها باوند، كما يبدو، متأثراً بالتراث الحكائي الشعبي الصيني، والقارئ يعرف أن الشاعر الذي وُجّهت إليه تهمة الخيانة قد ترجم كتاب كونفوشيوس «الموجز الكبير» في عام 1927.

لنعد إلى «القصيدة – القصّة» وتتحدث فيها زوجة شابة بضمير المتكلم عن طفولتها أولاً حين شعرها لا يزال يُقَصّ مستقيماً عند جبينها، وآنذاك، كانت، كما تقول في القصيدة، تلعب حول البوّابة الأمامية وتقطف الزهور حين رأت ذلك الرجل الذي سيكون زوجها، حيث أقبل «ممتطياً عيدان الخيزران»، وأخذ يدور حول مقعدها وهو يتلاعب بحبّات البرقوق الأزرق.

في الرابعة عشرة «تزوّجتك يا مولاي» كما تقول، ولم تضحك قط لأنها كانت حَييّه «خجولة»، فقد كانت دائماً إمّا مُطْرقَة أو أنها كانت تنظر إلى جدار، وما كانت لتلتفت أبداً ولو نودي عليها ألف مرّة.

تكمل هذه الزوجة الصغيرة قصّتها في القصيدة، قائلة إنها في الخامسة عشرة من عمرها كفّت عن تقطيب حاجبيها، وتقول إنها كانت تشتهي أن يمتزج غبارها بغبار زوجها، وهي أوّل إشارة في قصة هذه الزوجة الأقرب إلى الطفلة على أنها كانت تحب زوجها.

حين بلغت السادسة عشرة، رحل زوجها إلى مدينة بعيدة تدعى كوتويين المشرفة على نهر الأمواج الدوّامة كما تقول، وغاب خمسة شهور.

أتوقف الآن عن سرد القصة في القصيدة بتدوير نثري حكائي، وأنقل بقيتها كما هي شعراً في قصيدة باوند. تقول: «كنت تجر قدميك وأنت تغادر/ الطحالبُ تنمو الآن عند البوّابة/ تعمّقت حتى صارت إزالتها عسيرة/ الأوراق تسقط باكراً هذا الخريف والرّيح تلهو بها/ أزواج الفراشات فوق العشب في الحديقة الغربية/ غَدَتْ صفراء بحلول أغسطس إنها تؤلمني/ هأنذا أتقدّم في السنّ إنْ كنت قادماً/ عبر مضايق نهر «كيانج».. أرجوك، أخطرني، وسآتي لأقابلك عند تشوفوسا». (ترجمة: حسن حلمي).

أحياناً في داخل كل شاعر يوجد قاصّ أو حتى روائي متخفٍ لا يفصح عن نفسه، ويبقى مختبئاً كما لو أنه مطارد أو مطلوب للقانون (ربما قانون الكتابة)، وأحياناً أيضاً، وفي المقابل، يوجد في داخل القاصّ أو الروائي شاعر متوارٍ مختبئ هو الآخر وربما يتصبَّب عرقاً لو أفصح عن كينونته الشعرية تلك، وهكذا، تنمو القصص في الشعر، ويكثر السرد في القصائد حتى ولو كانت قصيرة.

في كل الأحوال، أعود مرة ثانية لقصة القصيدة أو قصيدة القصّة أحدّق في وجه تلك الزوجة ذات الستة عشر عاماً، وكيف يمتزج غبارها بغبار زوجها إلى الأبد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryasz7j

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"