عادي
صدر في الشارقة

الرواية العربية.. ابنة التفاعل الحضاري

17:50 مساء
قراءة 5 دقائق
د. نجم كاظم
  • الناشر: دائرة الثقافة في الشارقة

الشارقة: عثمان حسن

يدرس الناقد العراقي الدكتور نجم عبدالله كاظم في كتابه «الرواية العربية المعاصرة والآخر / دراسات أدبية مقارنة» حساسية الأدباء العرب الكبار خاصة الروائيين تجاه موضوع التأثر بالروايات العالمية، وهو يقدم نماذج من ردود هؤلاء الكتاب تجاه هذا الموضوع، ما يصفه ب «الحساسية المفرطة» في الوقت الذي يؤكد فيه على أن التأثر والتأثير لا يقلل من القيمة الأدبية والفكرية لهؤلاء الروائيين، بل هو يرى أن التأثر أمر ضروري وربما هو «صفة عالمية» تخرج الأدب من دائرته الذاتية أو الضيقة إلى مديات أوسع وأرحب، تفيد في التبادل الفكري والمعرفي والحضاري.

صدر الكتاب عن دائرة الثقافة في الشارقة وجاء في 224 صفحة من القطع المتوسط، وجاء في مقدمة وثلاثة فصول هي: (في قضية التأثير والتأثر، الآخر في الرواية العربية المعاصرة، وفي تأثير كافكا في الرواية العربية المعاصرة).

في مقدمة الكتاب يشير د. كاظم إلى أهمية التأثر والتأثير في الدراسات الأدبية المقارنة، والأدب المقارن برأيه يرفد النقد بواحدة من أدوات العملية النقدية أو وسائلها، خاصة حين يبغي النقد في تعامله مع العمل الأدبي سبر أغوار النص والكشف عن عملية الخلق النصي وتحقيق أفضل تلق لما ينطوي عليه، موضوعاً وفناً، ويقدم د. نجم مجموعة من آراء النقاد العالميين، الذين أكدوا في مجمل طروحاتهم على أن علم الأدب المقارن كما يقول ماريو فرانسوا جويار (أحد أهم أعلام الأدب المقارن في القرن العشرين): عبارة عن تاريخ العلاقات الأدبية العالمية، حيث ينتعش الأدب المقارن عند الحدود القومية، فيقتفي أثر عمليات تبادل المواضيع والأفكار والكتب أو الأحاسيس بين أدبين أو عدد من الآداب.

فهو إذا، دراسة في العلاقات المتبادلة ما بين آداب شعوب مختلفة، بحسب جوزيف شبلي، وهو بحسب كلود بيشوا وأندريه روسو أكثر شمولية إذ يقولان: «الأدب المقارن هو فن تقريب الأدب من ميادين التعبير والمعرفة الأخرى بطريقة منهجية، عن طريق البحث عن روابط التشابه والقرابة والتأثير، أو تقريب الوقائع والنصوص الأدبية فيما بينها، متباعدة أو لا في الزمان والمكان بشرط أن تنتمي إلى عدة لغات أو عدة ثقافات، وأن تؤلف جزءاً من تقاليد واحدة، وذلك من أجل وصفها وتذوقها بطريقة أفضل.

*الاستجابة والتلقي

يرى د. نجم أن القارئ له قراءته الخاصة مهما كان نوع هذا القارئ ومهما كانت طبيعة قراءته، ومن الطبيعي أن تتعدد أشكال التأثير والتأثر بتعدد القراءات، ونظرية التلقي إنما هي تطبيق لنظرية استجابة القارئ، وعملية القراءة هي التشكيل الجديد لواقع مشكل من قبل هو العمل الأدبي نفسه، وعندئذ تنصب عملية القراءة على كيفية معالجة هذا التشكيل المحول من الواقع، وتتحرك هذه العملية على مستويات مختلفة عن الواقع: واقع الحياة، وواقع النص، وواقع القارئ، ثم أخيراً واقع جديد لا يتكون إلا من خلال التلاحم الشديد بين النص والقارئ.

*الأدب الوجودي

أكثر الموجات تأثيراً في الآداب القصصية والروائية العربية في فترة الخمسينات - الثمانينات من القرن الماضي، كانت موجة الأدب الوجودي وأدب اللامعقول وكتابات تيار الوعي. يقول جبرا إبراهيم جبرا: كان سارتر الكاتب الخاص المفضل لسوق الكتب البيروتية، وكان رد الفعل في بغداد والقاهرة هائلاً، ولم يكن للمرء أن يتفق مع كل ما قاله سارتر، ولكن أفكاره قد أصبحت بالغة الأهمية للجيل الجديد من الكتاب الذين حاولوا التأثير في القضايا السياسية والاجتماعية في زمنهم.

وعموماً صارت أسماء كتاب، مثل سارتر وكافكا وكامو وولسون وجويس وولف وفوكنر شعبية جداً بين مثقفي تلك الفترة، وربما حتى بين متوسطي الثقافة، الأمر الذي قاد إلى أن تمارس أعمالهم تأثيراتها المختلفة في الكتاب العرب، خصوصاً في المشرق العربي، وهكذا لئن بدأت ثلاثية سهيل إدريس بالتبشير بالفلسفة الوجودية، فإن مطاع صفدي قد خطا خطوات كبيرة في هذا المجال حتى أصبحت أعماله لوناً من التجريد الفلسفي، والتنظير الفكري، والمعالجة الفردية لأفكار وقيم غير مرتبطة بالواقع الحي، على نحو ما نرى في روايتيه «جيل القدر» و«ثائر محترف» اللتين تقدمان الموقف الفردي الوجودي القائم على عدم الانتماء الفكري وعلى الحرية في الاختيار، وهو الموقف الذي نلمحه في كتابات جورج سالم وفؤاد التكرلي مثلاً. وضمن هذه الموجات والتيارات يعد كاتب اللامعقول كافكا واحداً من أبرز المؤثرين من خلال رواياته: «القضية» و«القلعة» و«أمريكا» وقصته الطويلة «المسخ» وقد ظهرت تأثيراتها في الكثير من الروائيين العرب مثل: جورج سالم في «المنفى» وجبرا إبراهيم جبرا في «الغرف الأخرى» وإبراهيم نصرالله في أكثر من عمل من أعماله.

*الشرق والغرب

يؤكد مؤلف الكتاب أن كان من نتاجات التأثير والتأثر، هو ما صار حقيقة واقعة، بعد أن حدث اللقاء الحضاري بين الشرق وضمنه العالم العربي، والغرب، وكان لا بد أن يكون من نتائج هذا اللقاء على أرض الواقع أن تتبلور، انطلاقاً من تجربة الغربي مع العربي ونظرته إليه، وتجربة العربي مع الغربي ونظرته إليه، أن تتبلور صورة أو صور كل منهما في ذهن الآخر، وإذا كانت الصورة التي نسعى للكشف عنها صورة إحدى الشخصيات الغربية - أي الأمريكية- هي نتاج تأمل وتحليل شخصيات متخيلة كونها شخصيات روائية، فإن من الطبيعي أن تعبر هذه الصورة، بدرجة أو بأخرى، عن رؤية الروائي نفسه، وفي النتيجة عن بعض رؤية العربي لتلك الشخصية الغربية، وقد تكون هذه الرؤية جزءاً من موقف عام للكاتب أو صورة منه.

كانت فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، قد شهدت التأسيس الفني للرواية العربية وتطور هذه الرواية في جل الأقطار العربية من جهة، وانفتاح العرب أكثر - مجبرين ومختارين -على الغرب وإسهامهم الفاعل في زيادة العلاقة به وترسيخها وتفعيلها، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، وأهم أعمالها: «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم، و«قنديل أم هاشم» ليحيى حقي، و«الحي اللاتيني» لسهيل إدريس. وعكست هذه الروايات جانباً آخر رغم ذلك الجدار النفسي والحضاري الذي يلين تارة، ويتصلب تارة أخرى بين الحضارتين الشرقية والغربية.

أما أهم الروايات التي عالجت موضوعة لقاء الشرق والغرب في سبعينات وثمانينات القرن الفائت فهي كثيرة أبرزها: «موسم الهجرة إلى الشمال» الطيب صالح، «الأشجار واغتيال مرزوق» عبدالرحمن منيف، «ليلة في القطار» عيسى الناعوري، «المتميز»محمد عيد، «يوميات السيد علي سعيد» عدنان رؤوف، «وتشرق غربا» ليلى الأطرش، «الشاهدة والزنجي» مهدي عيسى الصقر، «العزف في مكان صاخب» علي خيون، «الثلج الأسود» محمد أزوقة.

*اقتباسات

  • الكتاب مثل قارورة داخلها رسالة، ألقي بها في البحر وربما تصل أو لا تصل إلى الجهة المرسلة إليها.
  • صار معروفاً في حقل القراءة والتلقي، أن هناك ما يسمى بنظرية استجابة القارئ أو نقد استجابة القارئ.
  • شعبية الواقعية السحرية كبيرة وجوهرية وفاعلة خاصة في أعمال الروائيين العرب.
  • القراءة تلعب دوراً أساسياً في التأثير الذي يمارسه العمل الأدبي.
  • ينطوي النص على بعد اجتماعي يعني ضمناً حضور القارئ فيه حتى قبل القراءة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdkrnmds

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"