عادي

الانسحاب الأمريكي يحرر «الحزام والطريق» من عقدة أفغانستان

01:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
قاعدة "باغرام" الاستراتيجية محور سجال أمني وعسكري بين واشنطن وبكين

كنب: المحرر السياسي

يزداد التوجس الأمريكي من دور صيني محتمل في أفغانستان بعد الانسحاب الغربي، وسيطرة حركة «طالبان» على البلاد، وعودتها مجدداً إلى السلطة، وسط مؤشرات كثيرة تؤكد أن بكين ستكون اللاعب الدولي الأول في أفغانستان وفق خطة لا تبدو خفية، وتتعلق بمصالحها الحيوية ودورها المتنامي في آسيا والعالم. وبعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي، أصبحت الصين معنية أكثر من أي قوة أخرى بالاستفادة من موارد أفغانستان، وبما يمكّنها من تأمين المستلزمات الضرورية لمشروع «الحزام والطريق» والممر الاقتصادي الذي ينطلق من هناك إلى حيث تتوقف المصالح والأهداف التجارية.

من هذا المنطلق، تبدو المشتركات بين الصين وحركة «طالبان» كثيرة، من أهمها رغبة مشتركة في الاستفادة من الانسحاب الأمريكي، وكذلك حاجة أفغانستان للدعم في جميع المجالات. ففي بداية الشهر الجاري، قال المتحدث باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، إنه بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان ستعتمد الحركة بصورة أساسية على الأموال القادمة من الصين. وأوضح لصحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية، أن «الصين شريكنا الأكثر أهمية، وتمثل فرصة أساسية واستثنائية لنا، لأنها على استعداد للاستثمار وإعادة بناء دولتنا». وقال إن طريق الحرير الجديد، وهو مبادرة لبناء البنية التحتية تريد من خلالها الصين زيادة نفوذها العالمي عبر فتح طرق تجارية، تحظى بتقدير بالغ من جانب حركة طالبان. وأشار مجاهد إلى أنه بمساعدة الصين ستكافح الحركة لعودة اقتصادية قوية للبلاد. وقال «بلادنا غنية بمناجم النحاس، التي بفضل الصينيين يمكن أن تعود للعمل والتحديث. إضافة إلى ذلك تعد الصين منفذنا للأسواق في جميع أنحاء العالم».

موارد جذابة

وتحتوي جبال أفغانستان على مجموعة واسعة من الثروات الباطنية والمعادن النادرة، وما زالت كيفية استغلال حكومة طالبان لموارد البلاد غير واضحة، لكن المعادن قد تبدو جذابة بشكل خاص لدول مثل الصين. وقدّر موقع «أويل برايس» الأمريكي إن قيمة الموارد المعدنية غير المستغلة في أفغانستان قُدرت بنحو تريليون دولار أمريكي منذ سنوات، حسب إحصاءات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

ومنذ إعلان الصين عن طريق الحرير الجديد كانت أفغانستان في صلب المشروع، وجرت اتصالات في هذا الشأن بين بكين والنظام الأفغاني السابق، وتم تحديد مدينتين مهمتين تقعان على هذا الطريق، وهما كابول، التي يطلق عليها اسم جوهرة الشرق، وننغرهار، المدينة الأثرية ذات العلاقة بالحضارات الصينية القديمة. والآن بعد الانسحاب الأمريكي، يبدو أن هذا المشروع قد تحرر، إلى حين، من عقدة الوضع المضطرب في أفغانستان.

علاقات تاريخية

وكانت مجلة «نيوز ويك» الأمريكية وصفت علاقة الصين مع أفغانستان بأنها تعود إلى قرون مضت، عندما كانت كابول مركزاً هاماً على طريق الحرير الصيني الممتد عبر آسيا. كما تشير المجلة إلى أن أفغانستان كانت من بين الدول الأولى التي شاركت في التوقيع على صفقات الاستثمار الصينية العالمية، ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، والتي تعتبر بمثابة النسخة المعاصرة من طريق الحرير التاريخي الذي يعود إلى ما قبل الميلاد.

وتبرر كل هذه العوامل الهواجس الأمريكية، وبعض مسؤوليها يبررون الانسحاب من أفغانستان بأنه يمكن أن يمنح واشنطن متسعاً من الوقت للتفرغ لمواجهة الصين، ولكن في المقابل فإن المسؤولين في بكين يعرفون جيداً ما يخطط له الخصوم، ويضعون لكل حالة رداً، ولكل خطة خطة مضادة. وفي هذا السياق، توقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن الصين ستسعى للتوصل لاتفاق مع «طالبان»، وقال في البيت الأبيض رداً على سؤال عن إمكانية تقديم بكين أموالاً للجماعة التي تسيطر على أفغانستان «للصين مشكلة حقيقية مع طالبان، لهذا أنا على يقين أنهم سيحاولون التوصل لاتفاق ما معهم»، ولم يوضح الرئيس الأمريكي ماهية الاتفاق، إذ كانت تصريحاته رداً على سؤال: هل يشعر بالقلق من تقديم الصين أموالاً إلى طالبان.

اتصالات وتفاهمات

وبالفعل، فقد أبدت الصين استعدادها لمواصلة الاتصالات مع حكومة «طالبان» الجديدة في أفغانستان، ووصفت تشكيلها بأنه «خطوة ضرورية» في إعادة الإعمار. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج ون بين، في مؤتمر صحفي يومي في بكين رداً على سؤال ما إذا كانت بكين ستعترف بالحكومة الأفغانية الجديدة التي أعلن عن قادتها، أمس الأول الثلاثاء: «إن الصين مستعدة لمواصلة الاتصالات مع الحكومة الجديدة في أفغانستان.. الصين تحترم سيادة أفغانستان واستقلالها ووحدة أراضيها».

ومع الاتصالات التي تهم الشأن الاقتصادي والسياسي، هناك شق أمني تعمل الصين على تأمينه بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. وفي هذا السياق تكشف تقارير صحفية عدة عن خطط عسكرية صينية في أفغانستان منها إنشاء مرافق ونقاط أمنية فائقة التطور. وأكد موقع «يو إس نيوز» أن الصين تدرس وجوداً عسكرياً في قاعدة «باغرام» التي استخدمتها القوات الأمريكية والأطلسية طوال العقدين الماضيين. ورغم نفي كل من الصين وحركة «طالبان» ما وصفتاه بالمزاعم، إلا أن واقع الحال لا يمنع من استفادة الطرفين من الوضع الناشئ. ويقول مصدر مطلع للموقع الأمريكي، إن الصين تنوي الانتشار في «باغرام» خلال العامين المقبلين، مشيراً إلى أن ذلك يأتي في إطار التنمية الاقتصادية السرية خارج حدود الصين تحت عنوان مشاريع الاستعمار في البنية التحتية، ما يخدم مشروع «الحزام والطريق» الذي يوجد الآن في مفصل تاريخي لتأمين انطلاقه من نقطة البداية من جوار البر الصيني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"