عادي
عرض سوري في ثالثة ليالي مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

«رثاء».. قصة حب تنتهي بمأساة

23:14 مساء
قراءة 4 دقائق
مهرجان المسرح الصحراوي/المسرحيه السوريه/تصوير محمد الطاهر/١١/١٢/٢٠٢٢
مهرجان المسرح الصحراوي/المسرحيه السوريه/تصوير محمد الطاهر/١١/١٢/٢٠٢٢

الشارقة: عثمان حسن

تفاعل جمهور الليلة الثالثة من عروض الدورة السادسة لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي مساء أمس الأول في منطقة الكهيف مع العرض السوري «رثاء» وهو من إنتاج مختبر فنون الأداء، كتبه وأخرجه سامر عمران، وهو من بطولة: نور جبيلي بدور «نجمة» وإيهاب إلياس بدور العاشق الشاعر «زاهد بن عوين» وكل من ربا الحلبي بدور «الراوية» ورولان زكريا «جاسم صديق بن عوين» وحسام دلال «الراعي» ويمامة جبيلي «أخت نجمة».. وقام أوس رستم بتصميم تقنيات العرض «الإضاءة والصوت».

اعتمد العرض في تمرير حكايته على الراوي في جزء كبير من أحداث المسرحية، وهو الذي كان محل نقد وأسئلة عاصفة من قبل الفنانين في الأمسية المخصصة لمناقشة حكاية هذا العرض انطلاقاً من كون الصحراء بوصفها فضاءً شاسعاً هي بيئة مناسبة للحكي، وتمكين الشخصيات من التعبير عن دواخلها بكل سلاسة وتلقائية.

فقد مزج العرض في لغته بين الفصحى البسيطة «الركيكة» أحياناً، وبين اللهجة السورية التي اختفت أو طمست على المشاهد، وهذا بدوره كان محل تساؤل حول جدوى هذا المزج، والأسباب التي دعت كاتب النص ومخرجه لاتباع هذا الأسلوب.

حدوتة

هناك العاشق الشاعر «زاهد» الذي يغرم بالجميلة «نجمة» التي تستولي على مشاعره، ويكنّ لها حباً عاصفاً، وفي كل مرة تسنح له فرصة مشاهدة هذه الحبيبة، يقوم بخط أبيات شعرية على الرمل، وحين تتسنّى للمحبوبة فرصة قراءة هذه الأبيات، بعد ذلك يقوم زاهد بمحو هذه الأبيات بقدميه حتى لا ينكشف سرهما.

يستمر الحال على هذا النحو، لأيام وشهور، وحين يلتقي زاهد صديقه جاسر، ينتبه جاسر للحال الذي وصل إليه زاهد وقد بدت على محياه علامات الشرود والهيام والهموم التي لا تخفى على أحد، وحين يسأله جاسر عن أسباب هذه الحال، يفصح له زاهد عن مكنونات قلبه، فيعرف جاسر أن زاهد قد توقف عن سفراته إلى العراق طلباً للرزق، فقد كان زاهد تاجراً معروفاً، اعتاد أن يزور العراق للتجارة، وفي كل سفرة يغيب نحو شهر وربما ثلاثة أشهر، وهنا، يشجعه جاسر على استئناف تجارته وزيارة العراق، لأن هذا سيساعده على الصبر وتحمل أعباء الحب، ومن جهة أخرى، سيشعل قلب حبيته شوقاً وهياماً، وهنا، ستصبح فرصته للتقدم وخطبة نجمة والزواج منها قابلة للتحقق أكثر مما سبق.

انكشاف السر

وتتواصل الحكاية، ويسافر زاهد إلى العراق، وفي الأثناء ينكشف سر زاهد ونجمة، فيقوم والدها بتوبيخها، خشية انفضاح أمرها، فالبنت في البيئة الصحراوية لا خيار أمامها سوى الزواج من ابن عمها، أو أحد أفراد قبيلتها، وفي حوالي منتصف زمن العرض تحدث الكارثة، فقد اعتادت نجمة أن تذهب للتحطيب في البادية، وكانت المرة الأخيرة التي تقرر فيها نجمة أن تستغل هذه المناسبة لتضع حداً لحياتها، فقد قررت الانتحار، ويا لهول ما عزمت عليه، فقد ذهبت للتحطيب، ولكنها في هذه المرة تحزمت بوشاح، وفي كل خطوة تخطوها في الصحراء كانت تلتقط حجارة ثقيلة، وتضعها في الوشاح، وحين شاهدها راعٍ بالجوار، انتبه لغموض ما تقوم به نجمة، فناداها لمعرفة ما تقوم به، لكنها لا تعيره اهتماماً، وتواصل نجمة سيرها وصولاً إلى نهر الخابور على الحدود السورية العراقية، وعند نقطة التقاء الخابور بالفرات، حيث تختار أعمق منطقة في النهر، وتلقي نفسها فيها، وسرعان ما تسحبها المياه إلى القاع في لحظة صادمة وكارثية.

يصل خبر انتحار الفتاة عن طريق الراعي إلى ذويها، وتسمع القرى المجاورة عن قصة نجمة العاشقة، التي تصبح لاحقاً «أيقونة» في النقاء والإخلاص والوفاء لجميع فتيات القرى المجاورة.

وحين يعود زاهد ويسمع عن قصة انتحار نجمة، يصاب بالهلع، ويذهب للبحث عن الراعي، الذي يقص عليه الحكاية، وهنا يبدأ زاهد رحلة ثانية في سيرة حبه الفاجعة، ويتبدى ذلك في شروده، وغضبه، وفي ملامح بؤسه العاثر الذي يتبدى في نحول جسمه وما يرتديه من ثياب رثة، فيهجر الأهل ويذهب إلى النهر، إلى تلك البقعة التي فارقت فيها محبوبته الحياة، ويستمر بقول الشعر هائماً في الصحراء.

ينتبه ذوو نجمة إلى الحال الذي أصاب زاهد، ويشعرون بالأسى لحاله، وقد أصابتهم حالة من يقظة الضمير وخطأ ما أقدموا عليه، فيعرضون عليه الزواج من شقيقة نجمة لكنه يرفض بشدة، وتنتقل قصته إلى قرية مجاورة، وإلى قصة حب مشابهة، فقد انتحرت فتاة جديدة اسمها «صميغة» تشابهت قصتها مع قصة نجمة، وكانت هي الأخرى قد قررت الانتحار، فالتقطت بندقية شقيقها المخبأة في مكان بين اللحف والشراشف والوسائد، وقبل انتحارها تبعث برسالة إلى زاهد تعبر له عن إعجابها بقصته، هذه التي صارت مضرب الأمثال في القرى والنواجع.

تتوالى مجريات القصة، مع البطل زاهد، الذي استمر في قول الشعر، ورثاء حبه النقي الطاهر، وفي ليلة يصحو أقاربه على نار مشتعلة في البر تقول حروفها:

«نجمة في حياتي

ونجمة في مماتي»

نقاش

في المسامرة النقدية التي تلت العرض وأدارها الفنان الأردني فراس المصري بحضور كاتب ومخرج العمل د. سامر عمران، تداخل عدد كبير من النقاد حول «رثاء» حيث أكد البعض أن ما شاهدوه يفتقر إلى مفهوم العرض، كما انتقدوا اللغة بين الفصيحة والعامية وما أصابها من ركاكة، ومن جهة أخرى تساءل بعض النقاد عن فقدان الحوار للحس الدرامي على لسان شخصيات العرض الرئيسية، وإسناد تلك المهمة إلى الراوي.

من جهة أخرى، وقف البعض عند تلك النمطية التي تختصر قضايا البشر الذين يعيشون في الصحراء العربية المترامية الأطراف اختصارها فقط على قصص الحب، متناسين المشاكل والهموم الحقيقية التي يعيشها الناس في هذه البيئات القاسية.

واستمر النقاش حيث طرحت مسائل كثيرة حول مفهوم مسرح الصحراء، وعدم اشتغال المخرجين على تلك الفضاءات الرحبة التي تحتمل أحداثا درامية كبيرة، تتيح استخدام تقنيات هائلة تؤسس لمسار جديد في اللعبة المسرحية باستثمار فضاءات الصحراء.

وقد سجل بعض الحضور انتقادهم لرتابة العرض ومشكلة الإضاءة التي بدت باهتة تماماً، وحتى تلك النيران التي أشعلت في جنبات الخيمة الصحراوية، كانت بدورها بلا معنى، ومن دون دلالات مؤثرة في سياق العرض المسرحي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zbc48tb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"