عادي
قرأت لك

القصيدة الشعبية حاضنة الموروث

23:41 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
يعد الكاتب فهد المعمري، مدير المكتبات العامة التابعة لهيئة دبي للثقافة والفنون، أحد أبرز الباحثين في مجال التراث والأدب العربي، وهو صاحب رصيد واسع وكبير من المؤلفات والدراسات التي تتناول مفردات التراث الإماراتي خاصة في مجال الشعر النبطي الذي يعد مجالاً ثرياً يختزن الحكم والأمثال والعادات والتقاليد الإماراتية العربية القديمة، حيت قدم الكاتب في العديد من الإصدارات غوصاً عميقاً في ما يختص بالشعر الشعبي تاريخه ومراحل تطوره، وهي المؤلفات التي رفد بها المكتبتين الإماراتية والعربية وصارت مراجع مهمة في تلك الحقول التراثية والأدبية التي طرقها، ويشرف المعمري على مشروع أرشفة تراث دبي.

من أهم مؤلفات المعمري التراثية والأدبية: «الرياح والأهواء في التراث الشعبي»، و«جمع وتحقيق ديوان جناديل للشاعر حميد بن ذيبان»، و«البحر في التراث الشعبي الإماراتي» وغيرها.

كتاب «بناء القصيدة النبطية الإماراتية»، من إصدارات معهد الشارقة للتراث، يعد من الإسهامات المهمة التي قدمها المعمري في مجال الشعر الشعبي، يتناول فيه خصوصية القصيدة النبطية الإماراتية وما تتميز به عن غيرها في منطقة الخليج، وبعض دول العالم العربي، ويقدم خلاله المعمري تطوافاً شاملاً وعميقاً حول القصيدة النبطية والشعر الشعبي الإماراتي من حيث الخصائص والشعراء المبرزين الذين حملوا لواء هذا النوع الشعري المتفرد.

بناء داخلي

والكتاب هو استكمال لبحوث قدمت من قبل من قبل العديد من الكتاب والمختصين الإماراتيين الذين وثقوا للشعر النبطي الإماراتي، غير أن هذا المؤلف يقدم جهداً مختلفاً، فإلى جانب التوثيق، نجد أن الكتاب يركز على البناء الداخلي للقصيدة النبطية الإماراتية؛ أي العروض والقافية، وكذلك البناء الخارجي من حيث الأساليب والتراكيب والموضوعات، إضافة إلى الأشكال المتنوعة في البناء مثل القصيدة المثناة والمثولثة والمربوعة والمخموسة والمسبع، وكذلك القصيدة الألفية والمنسوبة.

والكتاب يقع في 488 صفحة من القطع الكبير، وينقسم إلى بابين، يتناول الأول: البناء والعروض، ويركز في الفصل الأول على أنواع الأوزان الشعرية النبطية، فيما يتحدث الفصل الثاني عن أشكال القصيدة النبطية، وخلال هذا الباب يقدم المؤلف غوصاً عميقاً في اختلافات البناء الشعري وأشكال القصيدة الإماراتية وتميزها عن بقية القصائد النبطية في الخليج.

بينما يتناول الباب الثاني: البناء الأسلوبي، ويركز في فصله الأول، على مسألة بناء القصيدة، حيث تعددت أساليب الشعراء الإماراتيين في افتتاح واستهلال القصيدة النبطية، ومن تلك الأساليب ما يتفق مع المعنى، ويتنوع في الألفاظ المختارة، فهنالك الافتتاح بذكر الله تعالى، والالتجاء إليه، وأحياناً يكون الاستهلال بأسماء الله الحسنى، وربما يكون الافتتاح أيضاً بالدعاء والتضرع، وغير ذلك من الأساليب الاستهلالية المتعددة والمتنوعة، فيما يتحدث الفصل الثاني عن «الموضوع» في القصيدة، وهي كذلك متعددة حيث تناول الكثير من الشعراء الإماراتيين، وصف المرأة، وكذلك وصف الدموع والأرق والسهر، والعز والفخار، وكذلك مشاعر الوداع والفراق، والحنين إلى الأوطان، ووصف الدنيا والمعاناة والتحسر على فقد الحبيب، وكذلك حفلت القصائد الإماراتية بوصف الصيد والقنص، كما احتشدت بالألغاز، وتناول الفصل الثالث ختام القصيدة التي تختلف كذلك بين شاعر وآخر، وهي تتميز أيضاً بأساليب متعددة تدل على أن الشاعر النبطي الإماراتي قد وصل إلى نهاية القصيدة، من خلال المعنى العام للختام، فأحيانا تنتهي الأبيات الشعرية بذكر الله تعالى، أو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الختام في بعض الأحيان بطلب السماح أو العفو، وفي مواقع أخرى يكون بالسلام على المحبوب، وغير ذلك من أساليب وطرق متعددة تعلن عن نهاية القصيدة.

ويطوف الكتاب، في مقدمته، بالقارئ في العوالم الإبداعية والجمالية للقصيدة الشعبية، ويشير إلى أن الحديث عن الشعر النبطي مهم، وذلك لما للشعر من بهاء ورونق، فكان مقدماً في الأدب ولا يزال إلى هذا اليوم، فكل يقوم بقراءته وتحليله ونقده، والوقوف في كل صغيرة وكبيرة فيه، ويلفت الكتاب إلى أن كل شعب يتميز بشيء في أشعاره النبطية، سواء في التراكيب والأساليب والموضوعات والمفردات، لذا كان بناء القصيدة مغايراً بين منطقة إلى أخرى وذلك لاعتبارات عديدة منها على سبيل المثال البيئة، واللغة والموروث الشعبي، والمدارس الشعرية، مشيراً إلى أن للقصيدة الشعبية الإماراتية خصوصيتها من حيث الأغراض والبناء العروضي والأسلوبي والأوزان، وكيف تبدأ القصيدة وكذلك كيف تختم، بالتالي فإن الكتاب يقدم إضاءات مهمة حول هذا النوع الشعري الذي يكتسب أهمية خاصة في الإمارات ودول الخليج، والكثير من الأقطار العربية الأخرى.

ولعل الملاحظة الجديرة بالذكر أن الكتاب يعتمد بصورة كبيرة على عدد من المراجع المهمة التي تناولت جوانب من الموضوع مثل: كتاب «أحمد بن علي العويس... الأديب المنسي»، للمؤلف بلال البدور، وكتاب «أشعار قديمة وأبيات يتيمة»، لحماد الخاطري، و«أشعار الماجدي بن ظاهر»، لعبدالله سيف الشويهي، و«باقة من الشعر الشعبي الخليجي»، لأحمد بن خليفة الهاملي، و«سالم الجمري... حياته وقراءة في أشعاره»، لسلطان العميمي، إضافة إلى العديد من المراجع والدراسات الأخرى، التي تضيف الكثير من الأهمية والمصداقية للكتاب، إضافة إلى أن المؤلف لم يكتف فقط بتلك المؤلفات، فقد أجرى دراسة ميدانية ولقاءات شخصية مع رموز ورواد إماراتيين في مجال الأدب الشعبي مثل: أحمد بن ثاني بن بيات المهيري، وحمد بن ذيبان، وراشد عبيد السويدي، والراوي سعيد خليفة بن ثالث الحميري، والشاعر عبد الله الهامور، والشاعر أحمد المونة الحبسي، وغير ذلك من المقابلات التي تشير إلى أن الكتاب هو نتاج مادة بحثية اشتغل عليها المؤلف.

إضاءات مهمة

توثيق الكتاب يوفر المتعة والمعارف الكثيرة والمتنوعة للقارئ الخليجي والعربي، حول واحد من أهم المواضيع الأدبية في الإمارات والخليج بصورة عامة، وهو موضوع الشعر النبطي من حيث الأشكال والأنواع والأساليب، ويتعمق المؤلف في مسألة خصوصية هذا النوع الشعري في الإمارات بصورة خاصة، حيث إن القصيدة النبطية هي حاضنة الموروث الإماراتي وحافظة الهوية الوطنية، بالتالي تكتسب أهمية خاصة، وذلك ما جعل الدولة تولي اهتماماً خاصاً بالشعر النبطي عبر المهرجانات والأنشطة والفعاليات، والتوجه نحو توثيق أعمال الشعراء النبطيين، وهذا ما يشير له هذا الكتاب الذي يقدم إضاءات مهمة في هذا الجانب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jhc2fap5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"