عادي
نص مأخوذ من رواية «الشيخ الأبيض» لحاكم الشارقة

«سدرة الشيخ»... الحكمة تتجول في أروقة التاريخ

15:24 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

في آخر عروض مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، احتضن قصر الثقافة مساء أمس الأحد، العرض العماني «سدرة الشيخ»، لفرقة صلالة الأهلية للفنون المسرحية، إخراج عماد الشنفري، مع مشاركة نخبة من الممثلين.

نص العمل مأخوذ من رواية «الشيخ الأبيض»، لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والتي تحكي عن تفاصيل قصة حقيقية وقعت أحداثها في بداية القرن التاسع عشر، وتتحدث عن شاب أمريكي يدعي جوهانس بول، أسره أحد العمانيين محمد بن عقيل، وهو طفل في التاسعة، وتبناه كابن له، وقد قام صاحب السمو حاكم الشارقة على سبيل التقصي والبحث، بزيارة إلى عدد من الأماكن والمتاحف ومراكز الوثائق، وطرز سموه تفاصيل رواية من نسيج قماش الوقائع التاريخية، بلغة تنتمي إلى السهل الممتنع.

يطرح صاحب السمو حاكم الشارقة من خلال الأعمال الروائية رؤيته حول الواقع والتاريخ بغية تنقيته من شوائب الزيف ودفع الافتراء وتصحيح المعلومات المتعلقة بالواقعة التاريخية، وبالتالي يسهم في صناعة واقع وراهن عربي وإسلامي مختلف، وكذلك من أجل صناعة علاقة مع الآخر من خلال هزيمة الوعي الزائف والصور النمطية المختلقة، وتلك هي جواهر المعاني الكامنة في سرديات سموه، يقدمها بأسلوب بسيط وشائق وممتع من أجل أن يفهم المتلقي مقاصد العمل ومعانيه، حيث تطل الرواية على الأفكار التي نتجت عن العلاقة التقليدية بين الشرق والغرب، والصراع الضمني والمعلن، بتناول خلاق ومبتكر يحاور العديد من المفاهيم ذات العلاقة بين الطرفين.

من جانبه فإن عماد الشنفري قد استعاد نص صاحب السمو حاكم الشارقة والتقط العديد من الأفكار التاريخية المطروحة التي تعانق الواقع الراهن، ليصنع قصة تركز في أحداثها ووقائعها على فكرة الصراع الداخلي أكثر داخل الشرق، وتحديداً البلدان العربية، غير أنه استفاد من كثير من الرؤى المطروحة في الرواية الرئيسة، خاصة فيما يتعلق بقصة عبد الله، وكيف أنه قد تشرب القيم والأخلاق العربية، إلى درجة أنه قد رفض الذهاب إلى بلاده واعتبر نفسه عربياً تماماً.

قصة العرض تنفتح على حكاية الشيخ محمد، أحد وجهاء القبائل العمانية، عندما كان يبحر بمركبه في عرض البحر داخل المياه الإقليمية لحدود بلاده، ليواجه باعتداء من قبل أسطول إحدى الدول الأجنبية الغربية، لتجري معركة بين الفريقين، ينتصر فيها الشيخ محمد، ويعود إلى بلاده وقبيلته وهو يصطحب جوهانس الذي أطلق عليه اسم عبد الله وتبناه وسط اعتراض شديد من قبل ابن عمه سعيد، غير أن الأول أصر على موقفه، وعهد بالصبي إلى معلم يعلمه أصول اللغة العربية.

ترعرع الصبي عبد الله في تلك البيئة، وتشرب من ثقافتها وموروثها فصار يتقن اللغة بل ويقرض الشعر، وتحلى بالمروءة والشهامة والخلق الرفيع، كما برع في استخدم السيف والأسلحة، حيث تدرب على القتال، فكان أن أحبه الشيخ محمد حباً جماً، وصار يقربه أكثر فأكثر وهو الأمر الذي أثار غبن سعيد إلى درجة التفكير في التخلص من عبد الله، بعد أن طلب من أحد أفراد القبيلة ويدعي سويلم قتله، وهو الأمر الذي لم يتم، لكن أحقاد سعيد ظلت تزداد مع الأيام، خاصة أن عبد الله قد جمعته علاقة حب بابنة سعيد.

  • أحداث وفتن

تستمر الأحداث في القبيلة على ذلك الوضع، مؤامرات خفية وفتن ودسائس، بفضل وجود ذلك الغريب الذي يهدد مكانة ومركز كثيرين، خاصة سعيد الطامع في خلافة الشيخ محمد، فهو يظن أن هذا الأخير ربما سيولي عبد الله الأمر من بعده، ووسط تلك المخاوف تتعرض القبيلة لهجمة من إحدى القبائل المجاورة، راح ضحيته أحد أفراد القبيلة، ليطاردهم الشيخ محمد من أجل الثأر، لكنه يقتل بواسطة عيسى الأسود أحد جنود تلك القبيلة الغادرة.

يجتمع أهل القبيلة من أجل تدارس الأمر، واختيار قائد جديد، ولكن عبد الله الذي تأثر كثيراً بموت والده الذي تبناه، أصر على الثأر أولاً وسط تراخٍ شديد من سعيد وبقية أقارب الشيخ محمد ما عدا قلة، ليقرر عبد الله أن يخوض معركة الثأر مع بعض جنود قبيلته، وبالفعل يتمكن من غزو تلك القبيلة والثأر منها، وكانت المفاجأة أن عيسى الأسود وقبل أن يقتله عبد الله، اعترف بأنه قد قتل الشيخ محمد بطلب من سعيد.

وعقب عودته من تلك المعارك يحكي عبد الله لأهل القبيلة عن ذلك الاعتراف الذي أدلى به عيسى الأسود، وكان لذلك الخبر وقع شديد على الناس الذين هموا بسعيد ليقوم عبد الله بقتله، وكانت المفاجأة أن تولى زعامة القبيلة سويلم، ذلك الشخص الذي لم يكن له شأن كبير في السلم الاجتماعي للقبيلة.

مقاربات كثيرة أجراها عماد الشنفري في نصه، والتقاطات وحوارات أجراها مع رواية «الشيخ الأبيض»، لصاحب السمو حاكم الشارقة، من أجل أن ينتج قصته حيث ركز الشنفري على الصراعات الداخلية.

  • سهل ممتنع

قدم المخرج الكثير من الحلول والرؤى الإخراجية التي أسهمت في صناعة عرض يتسم بالبساطة وينتمي إلى «السهل الممتنع»، حيث تميز العمل بالمباشرة دون استخدام الرموز والإشارات، فكان أن اتسم العرض بالمتعة البصرية والسمعية، خاصة مع توظيف الأغاني والإيقاعات والموسيقى الحية، وكان للمنشد دور كبير في الحيلولة في السقوط في الرتابة والملل، وكذلك كان استخدام الديكور مبتكراً عبر تقسيم الخشبة إلى لوحات مشهدية، فعلى اليمين كانت هناك شجرة هي السدرة التي شهدت طفولة عبد الله، بينما على اليسار كتلة ديكورية.

كما عمل المخرج على توظيف خلاق للخلفية، بينما ظلت الفرقة الموسيقية مصاحبة للعرض منذ البداية وحتى النهاية، مع اللجوء إلى الكوميديا والطرفة غير المقحمة، وكذلك الاستعانة بالموروث الشعبي والديني مثل مشاهد الحضرة وغيرها، لتكون النتيجة صورة بصرية في غاية الروعة، وجاء الأداء التمثيلي، ليكمل تلك اللوحة المشهدية النابضة بالحياة، ليحقق العمل فرجة مميزة تجاوب معها الجمهور كثيراً.

وخلال الندوة التطبيقية التي تلت العرض، أشاد المتداخلون من النقاد والمسرحيين بالنص، والعديد من الحلول الإخراجية، وقدموا تحية خاصة بالفرقة التراثية والمنشد، مشيرين إلى أن الموسيقى الحية أضافت كثيراً للعمل، ولعبت دور البطولة عن جدارة، وكذلك كان الأداء التمثيلي مميزاً، لافتين إلى أن هناك اشتغال على الممثلين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43mp67tf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"