عادي

حبّ العمل.. هوس أم إدمان؟

21:57 مساء
قراءة 4 دقائق
إعداد: أحمد البشير

من الجيّد أن تكون رجلاً مجتهداً مهتماً بتطوير مستواك المهني، وطموحاً تسعى للوصول إلى أفضل المراكز. لكن، هذا لا ينبغي أن يكون على حساب حياتك الشخصية وعلاقاتك الخاصة، ولا على حساب صحتك. إن حب العمل أيضاً له حدود وفي حال تجاوزه، يتحوّل إلى إدمان على العمل.

أصبح مشهداً معتاداً أن تجد نفسك ممسكاً بهاتفك الذكي طوال الوقت، وأنت في البيت أو مع الأصدقاء، لكي تتفقّد رسائل العمل، وأن تأخذ معك ملفّات من العمل لكي تعمل عليها في البيت، أو أن تدخل أحد المقاهي متأبّطاً حاسوبك المحمول، لكي تجلس في هدوء لإنهاء بعض الأوراق. لكن إذا كان هذا أمراً عادياً بالنسبة إليك فهذا خطأ كبير، لأنّ تخصيصك وقتاً للعمل تأخذه من وقتك الشخصي يجب أن يكون استثناءً وليس أمراً يتكرر كلّ يوم. لماذا تجد نفسك في هذا الوضع؟ هل أنت من الناس مدمني العمل، الذين يتركون المكتب في وقت متأخر من الليل، ومع ذلك يبقى تفكيرهم معلّقاً بالعمل حتى وهم في البيت؟

  • ولكن، كيف تعرف أنك مدمن عمل أم لا؟ أوّلاً، ما هو إدمان العمل؟

يقول باسكال سانك صاحب كتاب «التحرّر من أشكال الإدمان»: إنّ الإدمان ليس أمراً يمكن تحديده في الإدمان على الأكل أو المال فحسب، بل هناك أنواع أخرى من الإدمان، هناك أيضاً إدمان سلوك معيّن، وهناك اليوم مجموعة من السلوكيات التي يمكن أن تتحول إلى إدمان، منها استعمال الإنترنت، والهاتف النقّال، والتسوّق، والألعاب الإلكترونية، وطبعاً العمل. فبعض الناس يعمل أكثر من ستين ساعة في الأسبوع، ومع ذلك يسعى إلى تحمّل مسؤوليات وأعباء جديدة في العمل. وهذه السلوكيات جميعها تبدأ عادية، ثمّ ما تلبث أن تأخذ أشكالاً أخرى مرضيّة، ولأنّها مرتبطة بعصرنا الحالي، فإنّ الكثيرين يطلقون عليها اسم «أمراض العصر».

  • هوس أم اجتهاد؟

إن مدمني العمل أشخاص يعملون كثيراً، ليس لأنّ ذلك أمر ضروري، أو لأنهم مضطرون إلى ذلك، ولكن لأنهم يحتاجون إلى ذلك، الأمر راجع في الدرجة الأولى إلى طبيعتهم.

ويقول باسكال سانك: «هؤلاء الأشخاص، طبيعتهم القلقة تجعلهم يتصرفون بطريقة هوسيّة، ويتركز تفكيرهم كلّه في العمل، بل يصبح بادياً على وجوههم أنهم غير قادرين على منع أنفسهم من العمل». وهناك مثلاً من لا يستطيع أن يمنع نفسه، وهو في فراش النوم، من استرجاع أحداث اليوم في العمل، أو التفكير في قضايا العمل. أما إجازات نهاية الأسبوع التي يقضونها في البيت، فلا تمر من دون أن يأخذوا معهم بعض الملفات ليعملوا عليها في البيت، وطبعاً فهم يسافرون خلال الإجازات خارج البلاد، ويأخذون معهم أجهزة الكمبيوتر المحمول أو اللوحي وهواتفهم الذكية المزوّدة بخدمة الإنترنت. في الأغلب، هؤلاء الأشخاص لا يتخلّفون عن حضور حفلات مدارس أطفالهم وأعياد الميلاد العائلية، فيسبّب ذلك لهم توتراً في علاقاتهم الأسرية ويؤثر سلباً في حياتهم الخاصة.

وهذا الإدمان لا يهدّد فقط حياتهم الخاصة، بل وصحّتهم، إذ كثيراً ما يؤدي ضغط العمل وعدم تخصيص وقت للاسترخاء والترفيه، إلى الانتحار أو الإصابة بأمراض مزمنة.

الصورة

ومن المعروف أنّ المدمن غالباً ما ينكر حقيقة أنّه مدمن، وإذا اعترف بإدمانه، فإنّ ذلك يعد نصف طريق العلاج من الإدمان. والمدمنون ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أشخاص تأقلموا مع بيئة عملهم، وأنّ المجتمع يتطلّب ذلك الاجتهاد، فهم دائماً يعثرون على ما يبررون به سلوكهم. لكن هذا لا يمنعنا من رؤية المشهد الحقيقي كما هو، فالتأثيرات السلبية لهذا السلوك غير السويّ، وهو إدمان العمل أكثر بكثير من نتائجه الإيجابية. لهذا، لكي نتخلص من هذا الإدمان، ينبغي أوّلاً على المدمن أن يعترف بإدمانه.

ورفض مدمن العمل الاعتراف بأنّه كذلك، يؤكد أنّه فعلاً مدمن عمل. إضافةً إلى نكرانه هذا، هناك مجموعة من المعايير التي على أساسها يمكن تأكيد هذا النوع من الإدمان، ومنها: تخصيص أكبر جزء من وقته للعمل وأي شيء آخر إنما يفعله في وقت الفراغ، التأثير السلبي لذلك في عائلته وفي حياته الاجتماعية عموماً، فشله في التوقف أو التقليل من الانهماك في العمل، على الرغم من محاولاته الكثيرة، الشعور بالنقص والقلق والعصبية، عندما يحول أيّ ظرف طارئ بينه وبين إنجاز مهامه في العمل، وبالنسبة إلى بعض المتخصصين، فإنّ الموضوع يصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير من مجرّد إدمان، فقد يصل إلى حد أن يصبح «اضطراب الإدمان الهوسي». وفي هذه الحالة تسيطر على المريض أفكار معيّنة، ويصبح مهووساً بطقوس معيّنة وسلوكيّات ذات طابع إدماني.

وأكثر ما يمكن أن يعيق رحلة علاج الشخص مدمن العمل، عدم اعترافه بإدمانه هذا، لأنّه في الأغلب، لا يدرك حالته إلا بعد مروره بتجربة قاسية. وإذا كنت تعتقد أنك ربما تكون مدمن عمل ولا تستطيع التأكد حتى بعد إجراء الاختبار الذاتي، فعليك أن تزور طبيباً نفسياً متخصصاً لتشخيص الحالة وتقديم العلاج المناسب إن ثبت أنك مدمن في عملك.

إن علاج إدمان العمل ليس علاجاً سحرياً أو سريعاً، وكلّ ما يمكن فعله هو محاولة تخصيص وقت أطول للأسرة والأصدقاء، ووقت أطول للراحة وممارسة الهوايات. وبذل المريض مجهوداً من أجل تغيير سلوكياته هو أهم علاج، حيث عليه أن يبرمج إجازاته وعطلاته بعيداً عن عمله، ومن دون تلقّي أي اتصالات أو رسائل تتعلق بالعمل أثناء الإجازة، ويحاول أن يخرج من مكان عمله في وقت خروج باقي الموظفين وألّا يتأخر بعدهم. ونجد بعض مراكز العلاج تنظّم مجموعات علاجية للأفراد المصابين بالحالة المرضية ذاتها، حيث يتحدث كلّ فرد عن حالته بكلِّ حرّية في وجود آخرين، من دون أن يذكر اسمه أو أي معلومات تكشف هويته. ويستفاد من هذه التجربة، أنّ المريض يتعرف إلى حالات مشابهة لحالته، تجعله يدرك مشكلته جيداً كما لو كان يرى نفسه في مرآة، ويتفاءل، ما يعطيه أملاً أكبر في نجاح العلاج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yf4k3s2p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"