عادي
صدر في الشارقة

«التراث العمراني».. الهندسة فن إسلامي أصيل

15:05 مساء
قراءة 5 دقائق
د. خالد عزب

الناشر: معهد الشارقة للتراث

يتجول كتاب «علم هندسة التراث العمراني»، من تأليف الدكتور خالد عزب، في جماليات البنايات التراثية الباقية في عدد من المدن الإسلامية، وهو يكشف مدى اهتمام الأجداد العرب بأن يكون للهندسة علم خاص بها يجمع بين النظرية والتطبيق والفلسفة في الحياة اليومية، حيث لا فصل بين التخطيط العمراني والتصميم المعماري للبنايات. صدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث وجاء في 467 صفحة، مزيناً بالأشكال المعمارية والصور التوضيحية.

الكتاب يعيد اكتشاف علم الهندسة المعمارية في الحضارة الإسلامية، وجاء في مقدمة وأربعة فصول، هي: الهندسة المعمارية، الإبداع والعلم، مواد البناء واستخداماتها، العناصر المعمارية والزخرفية، هندسة المياه في الحضارة الإسلامية.

كان للمهندس دور مميز في العمارة الإسلامية، وقد ظل هذا الدور مجهولاً لعدم إدراك الباحثين لطبيعته، والافتراض المبدئي لتشابهه مع دور المهندس في العصر الحالي. لقد قسم العلماء العرب المسلمون الهندسة إلى قسمين، ظلا يتداولان طوال الحضارة الإسلامية، وهما: الهندسة العقلية والهندسة الحسية أو المادية أو العملية.

* أصالة

يؤكد الكتاب تطور العمارة بوصفها علماً ومهنة في الحضارة الإسلامية، والناظر إلى تراث هذه العمارة من الصين إلى الأندلس، يدهشه هندستها وبناؤها، وهو دليل على أن وراء هذه العمارة علماً وخبرة ومعرفة تراكمية، تستوجب علينا التأمل والإدراك.

يصف الرحالة عبد اللطيف البغدادي مباني الفسطاط في مصر ودقتها، كاشفاً عن تقدم الهندسة المعمارية على النحو التالي: «وأما أبنيتهم، ففيها هندسة بارعة، وترتيب في الغاية، ويجعلون منازلهم تلقاء الشمال والرياح الطيبة، وأسواقهم وشوارعهم واسعة، وأبنيتهم شاهقة، ويبنون بالحجر النحيت والطوب الأحمر وهو الآجر في شكل طوبهم على نصف طوب العراق».

وقد كان ابن خلدون دقيقاً في تعريفه للمهندس المعماري، فيقول: «الهندسة هي علم المباني وبنائها واختلافها والأراضي ومساحتها، وشق الأنهار وتنقية القنوات وإقامة الجسور وغير ذلك، ويطلق على المهندس: المعمار أو البنّاء».

أما علم المساحة، فهو علم تعرف منه مقادير الخطوط والسطوح والأجسام، وما يقدرها من الخط والمربع والمكعب، ومنفعته جليلة في أمر الخراج، وقسمة الأرض، وتقدير المساكن وغيرها، وقد تعددت مخطوطات علم المساحة في التراث الإسلامي، ومن أبرزها مخطوط لأبي العباس أحمد بن البناء المراكشي وعنوانه «الأشكال المساحية».

* مصطلحات

يفصّل الباحث لكثير من المصطلحات الهندسية، كما يوضح أنواع حرف البناء، كالبناء بالحجارة المنحوتة والبناء باللبن والبناء بالتراب أو الرمل مخلوطاً بالكلس وغيرها، كما يتحدث عن مصطلح العمارة الذي جاء في وثائق الوقف، مرتبطاً بأعمال الترميم.

وخلال حديثه عن مصطلح «الرسم المعماري»، فهو يؤكد أن مهنة البنّاء كانت في الأصل من مهام الحرفيين، ولكن مع انتشار الحضارة، صارت الحرفة بحاجة إلى مهارة وحساب وعلم، خاصة في الصروح المعمارية، مثل مسجد «السلطان حسن» في القاهرة، و«قلعة صلاح الدين»، والمسجد «الجامع» بإشبيلية، ومسجد «السليمانية» في إسطنبول وغيرها، كما يشير المؤلف إلى أقدم رسم معماري إسلامي باقٍ إلى الآن، وهو محفوظ في أكاديمية أوزبكستان للعلوم الشرقية، ويبين استخدامه للرسم البياني بالوحدات القائمة على المربع كوحدة بنائية.

يعدد د. عزب أسماء أعلام المهندسين المسلمين، ومنهم: ابن غنائم المهندس، أحد مهندسي القرن السابع الهجري، وكانت تربطه علاقة وثيقة بالسلطان الظاهر بيبرس، وهو الذي بنى له أبنيته في دمشق، كما يفرد مساحة للمعماري سنان أشهر معماري عثماني، عاش في القرن العاشر الهجري في أوج العصر الذهبي للعمارة العثمانية، وكان رئيس المعماريين وأشهرهم خلال حكم السلاطين الأربعة: سليم الأول وسليمان الأول وسليم الثاني ومراد الثالث.

* مواد البناء

في الفصل الثاني من الكتاب يقدم المؤلف تفاصيل ثرية كثيرة عن مواد البناء واستخداماتها، على رأسها الحجارة بأنواعها، مثل: الحجر الجيري، والرملي، والصوان، والحجر الأحمر، والحجر المشهر؛ وهذا الأخير استخدم في المنشآت المملوكية بكثرة، كما يتحدث عن ملامح العمارة الإسلامية والتأثيرات المغربية والأندلسية، ويذكر نماذج لهذه التأثيرات في كثير من عناصر العمارة في المساجد، وكثير من التفصيلات المعمارية كالعقود والأضرحة والأعمدة وغيرها.

ونقرأ في هذا الفصل عن ثراء وجمال التفاصيل المعمارية لمنبر جامع ومدرسة السلطان حسن بمنطقة القلعة، والذي ينفرد بعناصر معمارية عديدة، وهناك ذكر لأنواع الأخشاب وأبرز زخارفها، وصانعيها، وهم النجارون، حيث كانت حرفة النجارة بما اشتملت عليه من دقة وتفاصيل تتطلب مهارة فائقة، من حيث الطلاء والتلوين والزخارف والتذهيب وغيرها.

خصص د. عزب الفصل الثالث للحديث بإسهاب عن العناصر المعمارية والزخرفية في العمارة الإسلامية، مبتدئاً بالأعمدة؛ حيث فصلت الوثائق المملوكية للأعمدة، من حيث أشكالها، ومواد صناعتها، واستخدام الأخشاب في صنعها، وأقدم مثل لذلك المسجد النبوي في المدينة. ومن الناحية الوظيفية، فالعمود هو الدعامة الرئيسية التي يرتكز عليها سقف المبنى، وينتقل المؤلف للحديث عن «العقود» التي تعتبر من أهم العناصر الإنشائية التي استخدمها المعمار المملوكي، ويرد في الكتاب تفاصيل عن أنواعها واستخداماتها، كما يفصل الكتاب في استخدامات الأقبية ووظائفها خاصة الأقبية المدببة والمروحية والمتقاطعة، وصولاً إلى مداخل الأبنية التي كانت في بداية العصر الإسلامي عبارة عن فتحة عادية في الجدار، لكنها تطورت في مرحلة لاحقة كما هو في جامع أحمد بن طولون وغيره من المساجد الإسلامية، وغيرها من الجوامع والآثار المعمارية في العصر الفاطمي والمملوكي.

ويقدم د. عزب في هذا الفصل نماذج عديدة من المداخل المملوكية في عدد من المدارس والمساجد والقصور. ثم يتحدث الكتاب عن المقرنصات، حيث يعتبر المقرنص أحد عناصر العمارة الإسلامية المميزة لها.

* هندسة المياه

«الفراسة الحاذقة التي ميزت العرب القدماء دلتهم على مكامن الماء في باطن الأرض»، وهذا ما يفرد له د. عزب الفصل الرابع من الكتاب، حيث يورد الكثير من النصوص التي تابعت هذه المهارة التي انطوت على معرفة نظرية وعلمية عن المياه المختفية في باطن الأرض، وما يشتمل عليه هذا العلم من معرفة بجغرافيا الأرض وحجارتها، وما تحتويه من مياه عذبة صالحة للشرب، وهو يشير إلى كتاب «إنباط المياه الخفية» لمحمد بن الحاسب الكرخي المتوفى في القرن الخامس الهجري، الذي يعتبر مؤلفه هذا بمنزلة موسوعة فنية في دراسة واستثمار المياه الجوفية، حيث يقصد المؤلف في كتابه بالإنباط؛ أي إخراج الشيء وإظهاره بعد خفاء.

* اقتباسات

* يرجع أقدم مثل مؤكد لبداية استعمال المقرنص الإسلامي إلى الخليفة المعتصم في قصره الذي عرف ب«الجوسق الخاقاني».

* الهندسة العقلية، هي التي تعرف وتفهم، وتسمى الهندسة النظرية، وتدخل في نطاق العلم الرياضي وهي «علم يعرف منه أحوال المقادير».

* ترجع أقدم أمثلة على استخدام العقود في الحضارة الإسلامية إلى مصر سنة 1087 ميلادية.

* تعد الهندسة المعمارية في الحضارة الإسلامية مدخلاً جيداً لفهم مركب للعمارة في هذه الحضارة

* أدى اهتمام السلاطين في العصر المملوكي بالعمارة إلى بلوغها ذروتها في هذا العصر الذي حفل بالكثير من المبتكرات المعمارية.

* من أهم الألوان التي استخدمت وذكرت في وثائق العصر المملوكي اللون الأزرق- اللازورد، وهو حجر طبيعي نادر وأفضل أنواعه من أفغانستان.

* الهندسة الحسية هي التي ترى بالعين وتدرك باللمس، ويفاد منها عملياً، وتضم صناعة البناء، وعمارة المساكن والمساجد وغيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5yxmskcu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"