عادي

فكرة عصيّة على التحقق

22:22 مساء
قراءة 6 دقائق
فكرة عصيّة على التحقق

القاهرة: مدحت صفوت

في رواية قصيرة «نوفيلا» للأديب البريطاني إدوارد فورستر، كتبها في العشرينيات من القرن الماضي 1928 بعنوان «توقف الآلة»، تتوقف الآلات الحديثة على نحو تام، ورغم أن فورستر لم يكن يكتب عن الإنترنت في ذلك الوقت، فإنه من السهل عقد أوجه التشابه، إذ يكتب عن عالم يعيش فيه الناس في عزلة تحت الأرض ويتواصلون من خلال شاشات الفيديو والرسائل الفورية مع بعضهم بعضاً. مع عدم وجود تجارب جديدة. هنا يبدو الحديث هجاءً حول كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعزلنا عن بعضنا بعضاً وعن العالم الطبيعي، وكيف أنه من المحتمل أن تكون «فكرة سيئة»، نظراً لأن الجميع يعتمدون على هذا النظام الآلي الواحد ويخضعون له، يمكن أيضاً رؤيته كتحذير بشأن مخاطر احتكارات التكنولوجيا.

الآن لم نعد في عصر الآلة، بقدر ما أصبحنا في العصر الرقمي وشبكات الإنترنت، التي لا تعتمد على جهاز واحد أو كابل واحد، إنها شبكة مكونة من شبكات كمبيوتر عملاقة، وتمتد على الكرة الأرضية، تعبر الاتصالات عبر القارات وتحت المحيطات وعبر الفضاء عبر الأقمار الصناعية.

وفي العالم المترابط رقمياً، أصبحت الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. من الاتصالات والترفيه إلى التجارة والتعليم والتطبيب، تلعب الإنترنت دوراً حاسماً في تشكيل الطريقة التي نعيش بها ونعمل بها. ومع ذلك، فإن فكرة اختفاء الإنترنت فجأة «سيناريو مخيف» ولا يمكن تصوره على أي نحو. ماذا سيحدث إذا اختفت هذه الشبكة المعقدة من المعلومات والاتصالات والخدمات بين عشية وضحاها؟

  • قلق

للإجابة عن السؤال علمياً وعملياً، يحاول كبير الكُتّاب في How Stuff Works ومقدم بودكاست Tech Stuff، جوناثان ستريكلاند تخيل بعض التأثرات التي ربما تحدث لو انهارت شبكة الإنترنت. التي يرى أنه من المستحيل تخيل مجموعة الظروف التي يمكن أن تتسبب في ذلك. إذ يتطلب الأمر تدميراً على نطاق واسع لدرجة أن فقدان الإنترنت ربما يكون أقل ما يقلق الإنسان حينذاك. لكن ماذا لو انهارت الشبكة؟ كيف سيؤثر ذلك في الإنسانية؟ هل ستتغير الحياة على نحو جذري أم سيتكيف الناس بسرعة، معتمدين على وسائل الاتصال القديمة؟. بداية يرى ستريكلاند أنه إذا انهارت شبكة الإنترنت بطريقة أو بأخرى، فإن التأثير الاقتصادي سيكون كارثياً، وفي حين أن فقدان خدمات مثل الخدمات المصرفية الإلكترونية أو PayPal سيكون أمراً مزعجاً، إلا أن التأثيرات ستمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، وتتوقف الشركات الضخمة المعتمدة على الإنترنت «ستصبح Google أو Amazon أفكاراً عفا عليها الزمن على الفور». وستشهد شركات أخرى مثل مايكروسوفت اختفاء أقسام هائلة من عملياتها، حتى الشركات التي تستخدم الويب فقط كوسيلة للإعلان ستتأثر سلباً.

لو عدنا إلى الوراء، ومنذ 10 سنوات وإثر تعرض شبكة الإنترنت لبعض الأعطال أدت إلى بطئها، أوضح تقرير على موقع BBC Science Focus «في المرة المقبلة التي يكون فيها الإنترنت بطيئاً بعض الشيء، كن شاكراً لأنه لم يتوقف عن العمل على نحو كامل». وقتها وخلال ساعات قليلة، خسر فيسبوك وجوجل نحو 300 مليون جنيه إسترليني من عائدات الإعلانات، وتوقفت معظم الشركات الأخرى؛ نظراً لأن شبكات الخدمات المصرفية والهواتف المحمولة تعتمد جميعها على الإنترنت.

كما تعتمد شبكات الكهرباء الحديثة على الإنترنت لتنسيق محطات توليد الطاقة ومحطات الكهرباء الفرعية، ودون اتصال تصبح الشبكة الوطنية لكل دولة «غير متوازنة»، ويتصاعد الانقطاع المحلي إلى انقطاع التيار الكهربائي في معظم أنحاء العالم، وبالتبعية تتوقف خطوط أنابيب الغاز بسبب اعتمادها على الكهرباء.الإنترنت ليست ترفيهاً فحسب، فعلى افتراض أن الانهيار كان ذا طبيعة دائمة أو ممتدة، فإن الحياة حتماً ستكون «كارثية»، مثلاً وبإغلاق جوجل سيصبح نحو 20 ألف موظف دون عمل، ومع انسحاب مئات الشركات من موظفيها أو تقليص عددهم، سيمتلئ السوق بالعاطلين. ووفقاً لمكتب الإحصاء الأمريكي، شكلت التجارة الإلكترونية 35% من إجمالي الشحنات من الصناعة التحويلية في عام 2007. وهذا يعادل أكثر من 1.8 تريليون دولار لهذه الصناعة وحدها، مع مراعاة أن الرقم مرّ عليه نحو 17 عاماً، وباستقراء الأرقام لجميع الصناعات في أنحاء العالم جميعها، نصبح إزاء حجم هائل للتجارة عبر الإنترنت، التي ستخلف ركوداً فورياً حال اختفاء شبكة الاتصالات، ويعقب ستريكلاند «لا توجد طريقة سهلة للتعافي من خسارة تريليونات الدولارات».

  • انهيار

من زاوية أخرى، وبعيداً عن الآثار الاقتصادية المباشرة، تتوقف مسؤولة الكتابة عن مجال الإنترنت في موقع Medium روبن لايتون، أمام مستقبل التكنولوجيا حال اختفاء الإنترنت، فالأخير هو المفتاح الرئيسي للنمو التقني والابتكار، ودون ذلك، سوف تتباطأ التقنيات الجديدة ودمج الذكاء الاصطناعي في جوانب مختلفة من حياتنا، كما يعاني البحث العلمي ونشر الإبداعات «انتكاسات كبيرة»، وهو ما من شأنه أن يعيق التقدم التكنولوجي.

وتعد الإنترنت مخزناً هائلاً للمعلومات، مما يسمح للمستخدمين بالوصول إلى الأخبار والأبحاث والخبرات من كافة أنحاء العالم. ومن شأن زوالها أن يترك «فراغاً في المعلومات»، مما يجعل من المستحيل مواكبة الأحداث الجارية والتقدم في كثير من التخصصات. و«ستصبح المكتبات ووسائل الإعلام المطبوعة مصادر رئيسية للمعرفة، لكنها غير قادرة على التنافس مع اتساع وعمق المعلومات التي يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت» بقول لايتون.

وقريباً من الطمأنة وبعيداً عن السيناريوهات المفزعة: هل حقاً يمكن أن تنهار شبكة الإنترنت؟ يقول ستريكلاند «إليكم الأخبار الجيدة، الانهيار الكامل للإنترنت أمر مستحيل تقريبًا، فالإنترنت ليست صندوقًا سحريًا به مفتاح تشغيل أو إيقاف. إنها ليست حتى شيئًا ماديًا. بل مجموعة من الأشياء المادية وهي تتغير باستمرار». ويرجح المتخصصون أنه من الممكن أن تنقطع أجزاء من الإنترنت عن الاتصال. وهو ما يجري واقعيًا طوال الوقت، سواء تعلق الأمر بخادم متعطل ويحتاج إلى إعادة التشغيل أو الاستبدال أو تعطل كابل تحت المحيط بسبب مرساة، فهناك أحداث يمكن أن تعطل خدمة الإنترنت. لكن التأثيرات تميل إلى أن تكون معزولة ومؤقتة.

في حين أن هناك ما يسمى العمود الفقري للإنترنت: مجموعة من الكابلات والخوادم التي تحمل الجزء الأكبر من البيانات عبر شبكات مختلفة، إلا أنها ليست مركزية. لا يوجد قابس يمكنك سحبه من المقبس أو كابل يمكنك قطعه مما قد يشل الإنترنت. لكي تواجه الإنترنت انهيارًا عالميًا، إما أن تتوقف البروتوكولات التي تسمح للآلات بالتواصل عن العمل لسبب ما أو أن تتعرض البنية التحتية نفسها لأضرار جسيمة.

  • بروتوكولات

يستطرد ستريكلاند «وبما أنه من غير المرجح أن تتوقف البروتوكولات عن العمل تلقائيًا، فيمكننا استبعاد هذا الاحتمال. أما بالنسبة لسيناريو الأضرار الجسيمة، فقد يحدث ذلك. من الممكن أن يصطدم كويكب أو مذنب بالأرض بقوة كافية لتدمير جزء كبير من البنية التحتية للإنترنت. قد تؤدي إشعاعات جاما الساحقة أو التقلبات الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس إلى حل المشكلة أيضاً. لكن في تلك السيناريوهات، ستصبح الأرض نفسها عبارة عن هيكل هامد. في تلك المرحلة، لا يهم ما إذا كان بإمكانك تسجيل الدخول إلى موقع My Space أم لا؟.

وبعد نحو قرن من نوفيلا فورستر«توقف الآلة»، وعن توقف الإنترنت أو انقطاعها عالميًا، يتخيل الروائي والكاتب الأمريكي واين جلادستون في كتابه«ثلاثية نهاية العالم»2014، أنه عندما تتوقف الإنترنت فجأة عن العمل، يعاني المجتمع من فقدان البيانات المتدفقة وجريان الترفيه، يتجول مدمنو الرقميات في الشوارع وهم يتحدثون إلى أنفسهم ب 140 حرفًا أو يجبرون القطط على أداء حيل من أجل التسلية، بينما يعلق المدمنون اليائسون طلباتهم للقاءات غير رسمية على لوحات الإعلانات العامة، ويتعثر الاقتصاد وتمرر الحكومة قانون استرداد الشبكة العنكبوتية.

بالنسبة لجلادستون، يعد اختفاء الإنترنت أمرًا صعبًا، وسط شائعات بأن شخصًا ما في نيويورك لا يزال متصلاً بالإنترنت، إنسان منفصل عن هذا العالم الجديد، ويستطيع أمين مكتبة سابق بيع المعلومات كمحرك بحث بشري، ويحقق المنحرفون رغباتهم السرية في «نادي القاعدة 34». وبمساعدة أصدقائه، مدون وفتاة كاميرا ويب، وكلاهما عاطلان عن العمل الآن، ينطلق بطل جلادستون للبحث عن الإنترنت، لكن هل هو الرجل المناسب لإنقاذ البشرية من نهاية العالم تلك؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/pcy9aeah

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"