عادي

تعرف إلى العداء هاروكي موراكامي

20:44 مساء
قراءة 3 دقائق
هاروكي موراكامي

القاهرة: الخليج

ذكر أحد العدائين «لازمة» علمه إياها أخوه الأكبر، وهو عداء أيضاً، فكان يفكر فيها منذ أن بدأ الجري، تقول هذه اللازمة: «الألم حتمي لكن المعاناة اختيار» لنقل إنك تجري، وأخذت تقول في نفسك: «هذا مؤلم يا رجل لا يمكنني المضي أكثر» سيكون الجزء المتعلق بالألم واقعاً، لا يمكن تفاديه، لكن احتماله أو عدم احتماله أمر عائد إلى العداء نفسه، وهذا يلخص الجانب المهم من جري الماراثون.

يقول الروائي والكاتب الياباني هاروكي موراكامي في كتابه «ما أتحدث عنه حين أتحدث عن الجري» (ترجمة بثينة الإبراهيم): «لقد مرّت عشر سنوات منذ أن خطرت لي فكرة كتاب حول الجري، لكن السنوات مضت وأنا أحاول بطريقة تلو الأخرى، دون أن أستقر فعلياً لكتابته، فالجري موضوع غامض، ووجدت صعوبة في تحديد ما أود قوله عنه».

يهدي موراكامي كتابه إلى كل العدائين الذين صادفهم على الطريق، وأولئك الذين مرّ بهم، وأولئك الذين مروا به، فبدونهم لم يكن ليواصل الجري، كما أنه يعلن عن امتنانه لزوجة الروائي رايموند كارفر، لأنها منحته الإذن باستخدام عنوان مجموعة زوجها القصصية: «ما أتحدث عنه حين أتحدث عن الحب».

التقى موراكامي كثيرين شجعوه على الجري، ومنهم العداءة اليابانية أريموري الحائزة على الفضية في الماراثون في أوليمبياد برشلونة، حين شعر بالدوار والعطش الشديد نظرت إليه، وقالت له: «ما الأمر سيد موراكامي؟ وعرف عندئذ أن العدائين العالميين المحترفين صارمون جداً.

يتمتع موراكامي بحس ساخر، وقد بدا ذلك واضحاً، وهو يحكي ما تعرض له أثناء جولات الجري، والكتاب كما يراه هو نوع من المذكرات، وفي كل الأحوال: «منحني الجري لربع قرن الكثير من الذكريات الجيدة» ومنها ما يذكره حين كان يترجم رواية جون إرفنج «إطلاق سراح الدببة»، ولما كان في نيويورك طلب إجراء حوار معه.

يقول موراكامي: «أخبرني أنه مشغول، لكن إن جئت صباحاً أثناء جريه في سنترال بارك، فسنتمكن من الحديث أثناء جرينا معاً، لقد تحدثنا عن كل الأمور أثناء جرينا في المتنزه، في الصباح الباكر، لم أسجل حديثاً طبعاً، ولم أستطع تدوين بعض الملاحظات، لذا كل ما أستطيع تذكره الآن هو الذكرى السعيدة؛ لأننا نركض معاً في هواء الصباح النضر».

وبالطريقة نفسها يتحدث موراكامي أنه في الثمانينات من القرن الماضي اعتاد الجري كل صباح في طوكيو، وكان يصادف كثيراً شابة جذابة: «كنا نمر ببعضنا بعضاً مهرولين لسنوات كثيرة، وبدأنا نميز بعضنا بالنظر ونبتسم تحية في كل مرة نتصادف فيها، لم أتحدث إليها (أنا خجول جداً) ولم أعرف اسمها طبعاً، لكن رؤية وجهها كل صباح أثناء جريي كانت واحدة من مسرات الحياة الصغيرة يصعب النهوض والخروج للجري كل صباح دون مسرات كهذه».

يوماً ما، يقول موراكامي، إن حظيت بشاهد قبر، واستطعت اختيار ما سينقش عليه فسأود أن أقول: هاروكي موراكامي (1949 - ) كاتب وعداء لم يمش قط على الأقل «هذا ما أود قوله في تلك اللحظة».

يستهل موراكامي كتابه قائلاً إن الحكمة تقول: «لا يتحدث الرجل المهذب الحق عن نساء انفصل عنهن ولا عن مقدار ما يدفعه من ضرائب»، والحقيقة أنه لا توجد حكمة من هذا النوع، لكنه اختلقها، ولكن إن وجدت حكمة كهذه فلابد من إضافة شرط آخر، لتكون رجلاً مهذباً، وهو ألا تفصح عما تفعله، كي تحافظ على صحتك، فلا يجدر بالرجل المهذب الحديث مراراً عما يفعله، كي يحفظ لياقته.

يشير موراكامي إلى أن سومرست موم قال مرة «في كل حلاقة تكمن فلسفة»، فلا يهم كم تبدو بعض الأفعال بسيطة، لكنك إن واظبت عليها وقتاً كافياً غدت فعلاً يدعو للتأمل، بل فعلاً تأملياً، يقول: «لا أرى بوصفي كاتباً ثم عداء أن تأليف كتاب عن آرائي الشخصية في الجري ونشره سيجعلني أضل كثيراً عن مساري المعتاد، ولعلي لست إلا رجلاً دؤوباً جداً، لكني لا أحسن فهم أي شيء من دون تدوين أفكاري في الكتابة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56x37227

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"