عادي
لوحة لرائد التعبيرية في القرن الـ 20

«والي» لإيغون شيلي.. العين بيت المشاعر

00:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
7

الشارقة: عثمان حسن

الفنان النمساوي إيغون شيلي هو من أميز فناني بداية القرن العشرين، ومن رواد الأسلوب التعبيري في الفن، ولد في 12 يونيو 1890 وتوفى في أكتوبر 1918 وقد عاصر إيغون الفنان النمساوي الشهير غوستاف كليمت (1862 – 1918) الذي كان بارعاً في تجسيد بورتريهات خاصة «ذاتية» غالباً ما تلتقط صوراً للوجوه والأجساد في هيئات نفسية وتعبيرية مختلفة.

حظي شيلي برعاية واهتمام غوستاف كليمت، ونشأت بين الاثنين صداقة فنية وفكرية، أثّرت في مسيرة الفنون النمساوية خاصة البورتريهات والمناظر الطبيعية بالألوان المائية والزيتية.

حظيت أعمال إيغون شيلي باهتمام كبير من متاحف الفنون في أوروبا، لا سيما أن إيغون كان يرى الجسد الإنساني بوصفه جسداً فانياً، وآيلاً للزوال، كما كان ينظر إلى هذا الجسد باعتباره مجرد «كفن» يحمل صاحبه لفترة من الوقت، وهذا أثر كثيراً في مسيرته الفنية القصيرة، التي ينظر إليها النقاد بوصفها مؤثرة، رغم قصرها، فقد كانت تعبيراً عن شعوره الخاص بقرب الأجل، وهو الذي كان غالباً ما يقول لأصدقائه: بأنه يشبه المحكوم الذي يقوده الجلاد إلى غرفة الإعدام. وهو ينادي بصوته المرتفع: افتحوا الطريق، فهذا رجل يسير بقامته إلى موته.. من هنا، فقد كان رسم إيغون شيلي للجسد فيه إشارة إلى ما يعتري الكائن الإنساني من عزلة وانطواء على الذات.

لقد رسم شيلي مئات الرسومات عبر حياته التي لم تزد على 28 عاماً، قدرها مؤرخو الفن بنحو 83 لوحة ذاتية، وجزء كبير من الرسومات كانت لنسوة فقيرات وبائسات، وهو الخط الذي سار عليه عدد كبير من الفنانين الذين كانوا يتحاشون رسم نساء الصالونات ومن لديهن من بذخ وتصنع.

وفي هذا السياق تأتي لوحة «والي» التي رسمها إيغون شيلي في عام 1912، وهي بورتريه لصديقته «والبورجيا نيوزيل» ذات ال 17 ربيعاً، التي التقاها الفنان وهو في الحادية والعشرين من عمره، من أهم اللوحات التي حازت شهرة فائقة، فتهافتت عليها الجاليريهات لاقتنائها.

وصف

عاشت والبورجيا نيوزيل في الفترة ما بين (1894-1917) وكانت رفيقة شيلي وموديله وملهمته في الفترة ما بين 1911 و1915. انتقلت للعيش معه في فيينا وعملت كموديل لأعماله التصويرية، وهي ولدت لابنة عامل في «تاتندورف» بالنمسا وانتهت علاقة إيغون شيلي بها في يونيو 1915 عندما تزوج شيلي من إديث هارمز، وبعد الانفصال تدربت والي كممرضة ثم ذهبت إلى «دالماتيا» في رومانيا في عام 1917 حيث توفيت بسبب الحمى القرمزية في 25 ديسمبر من نفس العام.

في اللوحة تظهر الآنسة والي، وهي غارقة في حزن شديد، وكأنها تشعر أن علاقتها مع شيلي قد آن أوانها، وفي الحقيقة فإن كل من يشاهد اللوحة يلحظ بوضوح أن إيغون شيلي قد رسمها كتمثال نصفي، يصور امرأة شابة تميل إلى الأمام، وتنظر مباشرة إلى المشاهد وتتباين في عينيها العديد من المشاعر. وتظهر والي بلباس داكن وياقة بيضاء، وقد حرص إيغون على رسم خلفية فاتحة للوحة، وقد قارن المؤرخون بين هذه اللوحة و «بورتريه ذاتي مع فوانيس صينية» لذات الفنان ورسمها في ذات العام التي رسم فيه «بورتريه والي» أي في 1912، فيظهر التطابق بينهما على نحو لافت، في كلتا اللوحتين، برز تأثير فان جوخ في أعمال إيغون، وخلال هذه الفترة، أنجز إيغون شيلي العديد من البورتريهات، بالإضافة إلى رسومات المناظر الطبيعية والتراكيب التصويرية.

دقة التصوير

لاحظ نقاد الفن، ومؤرخوه أن «بورتريه والي» قد كانت من الدقة، بحيث أن الفنان قد بذل فيها جهداً مضاعفاً، لجهة إبراز الحدة في العينين، وأكثر من ذلك، فلم يعد خافياً على الوسط الفني اعتبار صاحبة اللوحة هي الملهمة لإيغون شيلي، وهي المعشوقة كذلك، والتي كان يخطط للزواج منها.

ومن يدقق في اللوحة يلحظ كذلك أن نظراتها تحدق في المشاهد بصورة مباشرة، فتظهر بعيون زرقاء كبيرة تجذب الانتباه على الفور. وقد ظهر وجهها بشكل زاوية مع أنف طويل، يبدو بارزاً ومهيمناً في اللوحة، أما شفتاها فظهرتا بأحمر شفاه، مع بعض لمسات الماكياج على خديها، كما ظهر شعرها بنياً محمراً ومجعداً وطويلاً، ينجرف على الحافة العلوية للقماش. كان الزي الأسود الذي ترتديه، هو على الأرجح فستان بياقة بيضاء مزخرفة. وقد حرص إيغون شيلي على إبراز بعض ملامح الغرفة التي جلست فيها والي، كتلك الخلفية البيضاء، حيث يميل رأس والي نحونا، مما يزيد من حجم وتأثير وجهها على الناظرين.. واللوحة من دون شك مثيرة للإعجاب من الناحية الفنية، مما يجعل تأثيرها أي - والي- في حياة الفنان مهمّاً وعاصفاً.

جدل

كما قلنا سابقاً، فقد كانت أعمال إيغون شيلي محط اهتمام المتاحف والمقتنين، الذين كانوا يحرصون على شراء أعماله، وفي هذا الإطار، حيث قامت الحكومة النمساوية في فترة لاحقة بشراء 5 آلاف قطعة من أعمال إيغون شيلي، كان متحف «ليوبولد» يمتلكها، وفي الفترة ما بين 1997 و1998 أقيم معرض لأعمال إيغون شيلي في متحف الفن الحديث في نيويورك، وفي هذه المناسبة تم الكشف عن تاريخ ملكية اللوحة في مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز. حيث اتصل ورثة بوندي جاراي بعد نشر المقال مدعين أن اللوحة كانت ملكاً خاصاً للعائلة، وهؤلاء الورثة هم من عائلة التجار النمساويين المعروفين من جامعي التحف، ممن أجبروا على الهجرة إلى بريطانيا العظمى بسبب الاضطهاد النازي بعد ضم النمسا إلى الرايخ الألماني، ادعى هؤلاء أن اللوحة كانت ملكاً لهم قبل الحرب العالمية الثانية، فقام محامي مقاطعة نيويورك بإصدار مذكرة استدعاء تمنع عودة اللوحة إلى النمسا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"