عادي
شخصيات

فريد تشابل روائي من «حزام الشمس الأمريكي»

23:59 مساء
قراءة 3 دقائق
فريد تشابل
  • تأثر بقوة بكتابات مارك توين

القاهرة: الخليج

تمتد منطقة الجنوب الأمريكي، عبر الولايات المتحدة، عرضاً من ولاية فرجينيا في الشرق، إلى ولاية كاليفورنيا في الغرب، ويطلق عليها «حزام الشمس» وتعد هذه المنطقة من أخصب مناطق الإبداع الأدبي في الولايات المتحدة، بل إن البعض يذهب إلى القول إننا حين نتحدث عن الأدب الأمريكي فإننا في الواقع نتحدث عن أدب الجنوب.

كانت البداية في الكتابات التي دوّنها الرحالة، الذين عبروا المحيط تحدوهم رياح الأمل، وحين رست سفنهم على شواطئ الأرض المجهولة، تبدت لهم كأنها الجنة الموعودة، ومن أوائل هذه الكتابات وصفٌ مفصل لهذه الأرض، كتبه «آرثر بارلو» عام 1584 حين أرسل مع بعثة استكشافية قبل أن يشرع في أول محاولة لإنشاء مستعمرة دائمة على القارة الجديدة.

وفي الوصف الذي تركه «آرثر بارلو» بدايات الأدب الأمريكي في الجنوب، وولدت أيضاً فكرة «أمريكا الحلم».

ويبدو أن الأرض قد تشربت شيئاً من صدمة القادمين الجدد، فأنبتت في وجدان سكانها الجدد وعياً بالهوة بين الحلم والواقع، بين البراءة والتجربة، وهكذا اكتسب الجنوب الأمريكي صورة أدبية قوامها الصراع بين حلم العودة إلى جنة البراءة، وبين الوعي بالواقع القاسي.

في هذه الرواية «أنا معكم إلى الأبد» لفريد تشابل، تدور الأحداث في مزرعة، بولاية نورث كارولينا، تتطلب عملاً شاقاً، يقتضي استقدام الفتى جونسون من الملجأ للمساعدة في العمل، وهو الفتى الذي سيلعب موته دوراً محورياً في الأحداث، وسرعان ما تقتحم أصداء الحرب العالمية الثانية، التي تدور رحاها في أوروبا، أسوار المزرعة، آتية إليها عبر قمم الجبال، بل إن غزو العالم الخارجي والتاريخ لهذه البقعة الخضراء المنعزلة سرعان ما يتجسد في صورة فجيعة تحل بالأسرة التي تسكن المزرعة.

لكن غزو الواقع الخارجي للجنة الوهمية المنعزلة، لا يتمثل في صور الحرب فقط، بل يحمل أصداء من عوالم أخرى: عالم الفن وعالم رعاة البقر، وعالم الأدب الشعبي والكتب، وعالم الموتى، فالمزرعة يتوافد عليها الزوار، واحداً تلو الآخر، ومع كل زيارة تتسع دلالة المكان، إذ يمتص شيئاً من تجاربهم ورؤاهم قبل رحيلهم، فالمكان هنا ليس محيطاً مادياً فقط، بل هو تجسيد لوعي الصبي الراوي.

تنهل الرواية – كما تقول د. نهاد صليحة – من التراث الجنوبي الذي خلّفه مارك توين، حيث نجح في وضع أدب الجنوب الأمريكي على الخريطة الأدبية بروايتيه «توم سوير»، و«هكلبري فن». وقد تأثر «تشابل» بمارك توين حتى إن ناقدة أمريكية تقول: «إذا كان من الضروري أن نقارن تشابل بكاتب آخر، فلا نملك إلا أن نقارنه بمارك توين، فهو يكاد يكون أخاه بالدم».

يطرح تشابل الأحداث في روايته من وجهة نظر صبي يتأملها، بينما يشارك فيها، كما تتخذ الرواية شكل الحلقات المنفصلة، التي تمثل كل واحدة منها وحدة قائمة بذاتها، ورغم ذلك ترتبط بالحلقات الأخرى ارتباطاً وثيقاً من خلال الشخصيات المتكررة، إضافة إلى عنصر الفكاهة، الذي يصبغ مساحات عدة من العمل، رغم الحادثة المأساوية التي تمثل مركزه الدلالي والشعوري، وهي موت جونسون العبثي، أثناء تدريبه العسكري بقذيفة عشوائية، عشية سفره إلى أوروبا للاشتراك في الحرب.

ولعل عبقرية تشابل تتجلى في قدرته على تحقيق مزيج رائع بين الفكاهة المتوثبة الصاخبة، والحزن الرقيق الشجي، وفي توظيف الممارسات اليومية العادية والأحداث العابرة لطرح تأملات عميقة حول الموت والحياة، وحول علاقة الإنسان بالكون والآخرين، لكن الأحداث اليومية العادية في هذه الرواية تتمتع بخصوصية واضحة، تفرضها طبيعة المكان الذي تدور فيه الأحداث.

تتبنى رواية «أنا معكم إلى الأبد» هذا النمط السردي الشعبي الأصيل الذي نجده في الأدب الشفاهي، وتجعل الراوي صبياً، ما يضفي على الرواية دلالة الرحلة المعرفية، أضف إلى ذلك أن اختيار وعي صبي صغير كمحيط للسرد، يناسب تماماً طبيعة المادة المختارة، كما تتبنى الرواية تلك الرؤية الطفولية الشعبية للعالم، من دون حرج أو تردد، فنجد السرد يتحول فجأة عن مساره الواقعي، لينحرف إلى مسار خرافي، فيتضخم الواقع، وتتغير ملامحه وأبعاده، من دون أن يعنى الكاتب بالتمييز بين الوهم والحقيقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4zb5f5jz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"