عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

لطف الله

23:31 مساء
قراءة 3 دقائق
1

د. سالم الشويهي

كان نبي الله موسى، عليه السلام، وهو في طفولته لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ، كما قال الله ممتنا عليه: «وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي»، فلما التقطه آل فرعون، وكَشَفَتْ عَنْهُ امْرَأَة فِرْعَوْنَ، أَوْقَعَ اللَّهُ مَحَبَّتَهُ فِي قَلْبِهَا، وقالت لفرعون: «قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا». قَالَ فرعون: «أَمَّا لَكِ فَنَعَم، وَأَمَّا لِي فَلَا»! فكان لفرعون «عَدُوًّا وَحَزَنًا» فما ضر فرعون أن يقول نعم «قُرَّتُ عَيْنٍ لِي» ولكنه الخذلان وَالشَقَاوَةِ الأبدية ويصدق عليه قوله تعالى: «وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ».

سنة الله «أن البلاء موكَّلٌ بالمنطق»، فينبغي للعبد أن لا ينطق إلا بخير، وكم من الناس من يجني على نفسه بمقالة لسانه فيجري الله تعالى حكمه فيه على ما قاله. ومن كتب عليه الشقاء أصابته سهامه، ونالته أسبابه، فما تتكلم به يقضي الله لك به وكما في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فليظنَّ بي ما شاء».

وَكَانَ أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله عَنهُ، كثيراً ما يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت

احْفَظْ لِسَانَكَ أَنْ تَقُولَ فَتُبْتَلَى... إِنَّ البَلاءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ

وَلما نزل الْحُسَيْن وَأَصْحَابه بكربلاء، سَأَلَ عَن اسمها؟ فَقيل:كربلاء فَقَالَ:«كرب وبلاء»، فكان ما كان من الكرب والبلاء الذي أصابه، رضي الله عنه، ونحن نرى من حالنا وممن هم حولنا أخباراً كثيرة ممن قال كلاماًَ فناله ما قاله وتكلم به من خير أو شر!

امرأة فرعون: آسيا بنت مزاحم لما تمنت أن يكون موسى قرة عين لها قد أنالها الله ما رَجَتْ من النفع. أما في الدنيا فهَدَاهَا اللَّهُ بِهِ، وأما في الآخرة فأسكنها جنته بسببه «إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ». واستحقت أن تكون من خيرة نساء العالمين، كما أخبر بذلك نبينا الأمين، عليه الصلاة والسلام.

ومن كمال لطف الله، بموسى، ورحمته بأمه أن صَانَهُ عَنْ أَنْ يَرْتَضِعَ غَيْرَ ثَدْي أُمِّهِ؛ كما قال تعالى: «وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ»،

وجَعَلَ الله ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى رُجُوعِهِ إِلَى أُمِّهِ، لِتُرْضِعَهُ وَهِيَ آمِنَةٌ، بَعْدَمَا كَانَتْ خَائِفَةً حتى اضطر فرعون، ومن معه إلى أن يردّوه إلى أمه «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» فاسْتَأْجَرُوهَا عَلَى إِرْضَاعِهِ فأصبحت، تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا، كما قال تعالى:«فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ».

وقد يأتي الأمان من قلب الخوف فلقد حمله التيار إلى قصر فرعون فالتقطوه وربَّاه في حِجْرِ العدو، وكان قد قَتَلَ بسببه ألوفاً من الوالدان، ولكن، كمَا قِيل «مِن مأمَنِه يُؤتَى الْحَذِر»!

يغذّي فرعون بيديه من يكون على يديه زواله،.. وتُرْضِعُه أمُّه على حِسَاب فرعون! ولِيُعْلَمَ أَنَّ أَسرارَ الأقدار لا يعلمها إلا الجبارُ

لا الأمر أمري ولا التدبير تدبيري ولا الشؤون التي تجري بتقديري

لي خالق رازق ما شاء يفعل بي أحاط بي علمه من قبل تصويري

لقد نشأ الوليد في بيت الطاغية الجبار الذي يقتل الأطفال بحثاً عن هذا الطفل الذي في كنفه «فَرَّ مِنَ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ وَقَعَ»

وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ»

وهذا يوجب علينا أن لا نفر من الله تعالى إلا إليه، «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ».

أَيا مَن لَيْسَ لي مِنْهُ مُجيْرُ... بِعَفْوكَ مِن عَذَابك أَسْتجِيْرُ

أَفِرُّ إِليّكَ مِنْكَ وَأَيْنَ إِلا... إِليكَ يَفِرُّ مِنْكَ المُسْتَجِيْرُ

فكتب الله لموسى الحياة السعيدة في بيت من يُخشى عليه منه، فعاش بين أظهرهم عيشة الملوك. وتربى موسى في بيت فرعون على الشجاعة والعزة والكرامة.. وكما قال مولاه: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي: تُطعم وترفه وتغّذى بأطيب المآكل، وتلبس أحسن الملابس ولا يصاب بما أصيب به قومه من العذاب، والذّل، والهوان. وبذلك يصلح لحمل أعباء الرسالة، ومواجهة فرعون في جبروته وطغيانه.

فكل خطوة بتدبير من الله حتى يبلغ الأمر غايته ومنتهاه

فقدر الله نافذ لا محاله، {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/hrwhs84z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"