عادي

السودان.. كارثة بلا كوابح

23:37 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أميرة محمد عبد الحليم *

مع دخول الصراع أسبوعه الثاني عشر، لا تزال آلة الحرب تحصد كل مقدرات السودان، وتهدد حياة ومستقبل الشعب السوداني لتضع البلاد في مفترق طرق، وتعيد إنتاج سيناريوهات كارثية تعرضت لها دول إفريقية أخرى، إلا أن خصوصية الدولة السودانية تطبع هذه السيناريوهات بملامح أكثر مأساوية، في ظل جمود واضح في الأدوار الخارجية لوقف المعارك، وجذب طرفي الصراع إلى مائدة المفاوضات.

اتسعت المعارك في السودان مؤخراً لتشمل وسط العاصمة الخرطوم ومنطقة بحري، بعد تعرضهما لقصف مدفعي مصدره أم درمان، وفي إقليم دارفور، شنت قوات الدعم السريع هجوماً على مقر الجيش في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.

وظهرت معلومات تشير إلى أن قتالاً عنيفاً يدور بين الجيش وقوات الدعم السريع حول محيط مقر سلاح المدرعات، جنوب الخرطوم، من أجل السيطرة عليه. حيث يسيطر الجيش على هذا الموقع العسكري الحيوي. وكان ناطق باسم قوات الدعم السريع أعلن السيطرة على معظم المواقع العسكرية في العاصمة. في حين ينفى الجيش هذه المعلومات، كما كشفت قوات الدعم السريع أنها أسقطت طائرة حربية، وطائرة مسيرة في بحري، ولم يرد الجيش على هذه التصريحات.

في الوقت الذي صرح فيه عضو مجلس السيادة، الفريق ياسر العطا، بأن الجيش بدأ عمليات عسكرية خاصة في أم درمان، لتنظيفها ممن وصفهم بالمتمردين. وأن الجيش سينقل بعدها العمليات الخاصة إلى مدينتي الخرطوم وبحري. كما دعا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الأسبوع الماضي، الشباب للانضمام للقتال ضد قوات الدعم السريع، ونشر الجيش يوم الأحد 2 يوليو/ تموز، صوراً قال إنها لمجندين جدد. وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها الجيش المواطنين إلى التطوع في صفوفه، منذ أن بدأ الصراع.

  • تهديد حياة السكان

كما برزت مخاوف من انتشار الأوبئة مع استمرار المواجهات المسلحة مع دخول البلاد في موسم الأمطار، وخروج 70% من المستشفيات خارج نطاق الخدمة، ولجوء بعض السكان إلى الاعتماد على مياه الأنهار في الشرب مع توقف محطات المياه، فضلاً عن توقف جهود مكافحة الأوبئة، ومنها حمى الضنك والملاريا من جراء الصراع، وتتصاعد التحذيرات من الهيئات الصحية الدولية من احتمالات انتشار الأوبئة، يضاف إلى ذلك إعلان أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الشرق المتوسط، أن 4 ملايين طفل وامرأة حامل ومرضعة يعانون سوء التغذية الحاد في البلاد، وعبّر عن مخاوفه من تفاقم سوء التغذية مع عدم القدرة على الوصول إلى الأسواق المحلية، أو تحمّل تكاليفها، فضلاً عن توقف عمليات برنامج الأغذية العالمي.

وكانت ممثلة «منظمة اليونيسيف» مانديب أوبراين، دعت الأحد 2 يوليو/ تموز، عبر حسابها على «تويتر» إلى «توسيع نطاق توزيع الأغذية العلاجية وعمل مجموعات الرعاية الصحية الأولية لعلاج الأطفال المصابين والمرضى في غرب دارفور». وأرجعت المسؤولة ذلك إلى «فرار آلاف العائلات بأطفالها من العنف في غرب دارفور».

  • محاولة تغيير الوسطاء

على الرغم من بروز العديد من مبادرات الوساطة لتقريب وجهات النظر ودفع طرفي الصراع إلى وقف الاقتتال والتفاوض، وتمكّن الوساطة الأمريكية– السعودية من دفع طرفي الصراع إلى الالتزام بوقف إطلاق النار في عدد من الهدنات عبر محادثات جدة، إلا أن إصرار طرفي الصراع على الحسم العسكري، وعدم تجاوبهما مع دعوات الوساطة، أدّيا إلى تعليق محادثات جدة، مع عجز أي مبادرة أخرى للوساطة عن دفع طرفي الصراع نحو الحوار، حيث توقع الكثيرون نجاح الوساطة الإفريقية من منظمة «الإيغاد» التي تشكل لجنة رباعية للوساطة في السودان، أو عبر آليات الاتحاد الإفريقي، خاصة في ظل الروابط والامتدادات القبلية والمصالحية بين طرفي الصراع والدول الإفريقية، خاصة دول الجوار، إلا أن الوساطة الإفريقية يخيم عليها الجمود.

فقد انتقد الجيش محاولة الوساطة من دول شرق إفريقيا، واتهم دولة كينيا بالتحيّز، وإيواء قيادات لقوات الدعم السريع. وصرح نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، بأن السودان يعتبر كينيا «دولة غير محايدة» في الأزمة السودانية، مشيراً إلى وجود علاقات استثمارية واقتصادية بين كينيا وأحد طرفي النزاع في السودان.

في حين أعرب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، ونائبه في مجلس السيادة مالك عقار، في الأسبوع الماضي، عن انفتاحهما على أي محاولات وساطة من جانب روسيا، أو تركيا، حيث التقى نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار في 29 يونيو/ حزيران، في موسكو، مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث أكد الأخير في لقاء صحفي مع عقار، أن موسكو تتابع الوضع في السودان بقلق، ومستعدة للمساعدة في وقف العدائيات وتسوية الصراع وتهيئة الظروف لتطبيع الأوضاع. كما تلقّى رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، يوم الأربعاء 28 يونيو/ حزيران، اتصالاً هاتفياً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأعلن البرهان قبول الخرطوم أي مبادرة تركية لإيقاف القتال وإحلال السلام في السودان، حسب إعلام مجلس السيادة. ويبدو أن الجيش السوداني يسعى من خلال دعوته وقبوله لوساطة روسية وأخرى تركية إلى تخفيف الضغوط الغربية، خاصة الأمريكية عليه، في الوقت الذي تتعامل روسيا وتركيا مع الجيش باعتباره مؤسسة وطنية ولا تساوي بينه وبين قوات الدعم السريع، كما تقوم روسيا بأدوار مؤثرة في مجلس الأمن الدولي إزاء الأزمة السودانية، كما يرتبط الحضور التركي عبر مدخل العمل الإنساني في السودان، لذلك يجب ان تعمل روسيا وتركيا على صياغة وساطة أكثر فاعلية لوقف الصراع والاقتتال في السودان، بعيداً عن الحساسيات والحسابات المصالحية.

* باحثة في الشؤون الإفريقية - مركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56bnc3nk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"