عادي

الكوريتان.. تهديدات متبادلة بـ «الإفناء»

22:31 مساء
قراءة 4 دقائق
كيم جونغ أون يراقب إطلاق صاروخ عابر للقارات

كتب-المحرر السياسي:

بينما يتحسر العالم على أعوام خلت سادتها روح التعاون والتنسيق بين دوله، الفاعلة وغير الفاعلة، في ظل ما اصطلح على تسميته بالعولمة، حيث أسفرت سياسات الانفتاح وحرية حركة السلع والأفراد عن ازدهار لافت في مختلف المناطق، يضع عالم اليوم يده على قلبه تحسباً لحرب هنا، وانفجار هناك، مع غياب كلّي للحكمة والتعقل، وانسداد قنوات الاتصال الدبلوماسي لحل أي من الأزمات الراهنة.

لا تزال الحرب في أوكرانيا تنتقل من معركة ضارية إلى أخرى، ومن تهديد إلى وعيد، بينما تصب الحرب على غزة زيتاً كثيراً على نار القلق العالمي، وتفتح الاحتمالات بلا ضابط على مزيد من بؤر التوتر، حيث بلغ ذروته في البحر الأحمر بالمواجهة بين السفن الأمريكية وزوارق الحوثيين التي أسفرت عن سقوط قتلى. أما مصدر التهديد الأهم للسلم العالمي فيبدو أنه يتخمر في جنوب شرق آسيا، حيث تعلو أصوات الصين فيها ضد تايوان التي تنتخب رئيساً جديداً، ولكن تلك الأصوات قد لا تسمع في ظل أزيز صواريخ بيونغ يانغ وسيؤول.

تهديدات كوريا الشمالية

فقد أصدر الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، أوامره إلى كبار المسؤولين العسكريين في بلاده بإبادة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة إذا تجرأت أي منهما على شن عمل عسكري ضد بلاده، حسبما أوردت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية «يونهاب».

وقال كيم، خلال اجتماع مع كبار القادة الكوريين الشماليين في بيونغ يانغ: «إذا اختار العدو المواجهة والاستفزاز العسكري، فينبغي على جيشنا أن يوجّه له ضربة قاتلة لمحوه تماماً عبر حشد أقوى الوسائل، من دون تردد».

وهاجم كيم الولايات المتحدة خلال خطاب طويل، في ختام اجتماع للجنة المركزية لحزب العمال الكوري الذي يتولى السلطة في بيونغ يانغ، استمر خمسة أيام، وهو حدث في نهاية العام يتم خلاله تحديد التوجهات الاستراتيجية للبلاد.

نظام ردع مشترك

وسدّ الزعيم الكوري الشمالي كل نوافذ الأمل التي كانت معلقة على المصالحات أو التسويات، وإعادة التوحيد مع الجنوب، واصفاً الأوضاع الحالية بأنها دخلت مرحلة أزمة مستعصية ومستمرة، لا يمكن السيطرة عليها، متهماً واشنطن وسيؤول بإثارتها.

وتعزز سيؤول وواشنطن تعاونهما الدفاعي في مواجهة تحديات فرضتها الجارة الشمالية عبر سلسلة من التجارب الصاروخية التي أجرتها خلال العام المنصرم.

ووعد الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، بوضع حد للاستفزازات العسكرية التي تمارسها بيونغ يانغ، من خلال اعتماد نظام ردع مشترك مع واشنطن، من المقرر وضعه موضع التنفيذ في النصف الأول من عام 2024. وقال يون، خلال خطابه لمناسبة العام الجديد، إن هذا النظام سوف يردع بشكل أساسي أي تهديد نووي، أو صاروخي من كوريا الشمالية.

وفي جانب التهديدات، تقول كوريا الشمالية إنها تعتزم إطلاق ثلاثة أقمار صناعية إضافية للاستطلاع العسكري في عام 2024 من أجل تعزيز قدرات الجيش ومراقبة قوات العدو.

وجاء في تقرير «يونهاب»: «بناء على تجربة إطلاق وتشغيل أول قمر صناعي للاستطلاع بنجاح في عام 2023، تم الإعلان عن مهمة إطلاق ثلاثة أقمار استطلاع إضافية في عام 2024 لتعزيز تطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء بقوة».

وكانت كوريا الشمالية أطلقت بنجاح أول قمر صناعي للتجسس العسكري في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بث صوراً للبيت الأبيض، ووزارة الدفاع (البنتاغون)، وقواعد عسكرية أمريكية، و«مناطق محددة» في كوريا الجنوبية.

وأثارت هذه الخطوة حالة من التوتر في المنطقة، ودفعت الولايات المتحدة وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية إلى فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية. ولم تنشر بيونغ يانغ بعد أي صور من القمر الصناعي الجديد، ما يجعل المحللين والحكومات الأجنبية غير متأكدين من حقيقة القدرات التي يتيحها القمر الجديد.

وتعتقد أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية، أن بيونغ يانغ تلقت مساعدة تكنولوجية حساسة من روسيا لوضع القمر الصناعي «ماليغيونغ - 1» في مداره بنجاح. وقد زار كيم روسيا في سبتمبر/ أيلول، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأجرت كوريا الشمالية في عام 2023 عدداً قياسياً من تجارب الصواريخ الباليستية، فيما يعتبره المراقبون انتهاكاً لكثير من قرارات الأمم المتحدة.

وفي سبتمبر/ أيلول، كرّست كوريا الشمالية وضعها من خلال دستور البلاد بصفتها قوة نووية. كما اختبرت بنجاح صاروخ «هواسونغ - 18»، أقوى صاروخ باليستي عابر للقارات في ترسانتها، قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة.

وأرسل الجيش الأمريكي إلى كوريا الجنوبية، في الأشهر الماضية، الغواصة «يو إس إس ميسوري» العاملة بالدفع النووي، وحاملة الطائرات «يو إس إس رونالد ريغان»، وقاذفة استراتيجية من طراز «بي – 52»، وهناك تكهنات بأن حاملة الطائرات «يو إس فورد» التي سحبتها واشنطن من البحر الأبيض المتوسط، ربما تتجه إلى المنطقة.

وقد أثارت هذه التحركات غضب كوريا الشمالية. ووصفت بيونغ يانغ في وقت سابق نشر واشنطن أسلحة استراتيجية بأنه «استفزاز متعمد لحرب نووية». وقال كيم جونغ أون: «يجب أن نستجيب بسرعة لأزمة نووية محتملة، وأن نواصل تسريع الاستعدادات لجعل كامل أراضي كوريا الجنوبية مسالمة من خلال تعبئة كل الوسائل والقوات المادية، بما في ذلك القوة النووية، في حالة الطوارئ».

وتنظر بيونغ يانغ إلى المناورات العسكرية التي تجريها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة، على أنها تدريبات لاجتياح أراضيها، مؤكدة أن تجاربها الصاروخية هي تدابير مضادة ضرورية.

وسارعت كوريا الجنوبية للرد على تهديدات جارتها الشمالية النووية محذرة سيؤول من اتخاذ قرار باستخدام أسلحة نووية ضدها. وقالت وزارة الخارجية إن أي حماقة من هذا القبيل سوف تعني «فناء» الجارة الشمالية.

وبينما يستمر الجدل حول ما هو حق سيادي، وما هو خرق لقرارات الأمم المتحدة، تتصاعد التوترات في المنطقة تغذيها حالة الانقسام الذي يشهده العالم، وسياسات المحاور والأحلاف، فضلاً عن التوترات التي تزكيها قرارات الفعل ورد الفعل، وسط بيئة مشحونة تنذر بما هو أسوأ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4pkjmncz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"