عادي

هل انتهت نظرية «التحليل النفسي»؟

21:03 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة – الخليج

يقول سلافوي جيجك في كتابه: «كيف نقرأ لاكان؟» (ترجمة جلال بدلة) إن «تفسير الأحلام» لفرويد، بعد مئة عام من صدوره، واجه حملة من التصريحات التي تعلن موت التحليل النفسي، على أساس أنه وجد نفسه مستبعداً إلى المكان الذي يستحقه بعد التقدم الحاصل في ميدان العلوم.

وكما قال تود دوفريسن: لم يحدث في كامل تاريخ الفكر البشري، أن أخطأ أحد بهذا الحجم، وفي جميع النقاط الأساسية، مثلما حدث مع فرويد، وقد يحلو للبعض أن يضيف: «إلى جانب ماركس»، لذا لا عجب عقب صدور «الكتاب الأسود للشيوعية» الذي يسرد قائمة الجرائم الشيوعية، أن يصدر كتاب آخر بعنوان «الكتاب الأسود للتحليل النفسي» عام 2005، والذي يحصي جميع الأخطاء النظرية للتحليل النفسي، ومع ذلك – كما يقول جيجك – فإن لهذه المقاربة السلبية ميزة، وهي أنها أبرزت الوحدة والتضامن العميقين بين الماركسية والتحليل النفسي.

هل نستطيع اليوم القول: إن التحليل النفسي قد تجاوزه الزمن؟ يرى جيجك أن الأمر يبدو كذلك، على ثلاثة مستويات، تتصل ببعضها بعضاً، أولاً: على مستوى المعرفة العلمية، حيث يبدو أن النموذج الإدراكي والبيولوجي العصبي قد حلّ محل النموذج الفرويدي، ثانياً: في إطار الطب النفسي العيادي، حيث يفقد العلاج التحليل النفسي مكانته بخطى متسارعة لمصلحة الأدوية والعلاجات السلوكية، ثالثاً: في السياق الاجتماعي، حيث لا يبدو أن الصورة التي رسمها فرويد عن مجتمع وضوابط اجتماعية، تقمع الميول الغريزية للفرد، تتوافق مع نزعة التسامح المسيطرة اليوم.

عودة

لكن جيجك يؤكد أن هذا التأبين الجنائزي سابق لأوانه في حالة التحليل النفسي، وهو يريد إثبات ذلك، مهتدياً بلاكان عبر ما دعاه «العودة إلى فرويد»، بل عودة إلى النواة المركزية للثورة الفرويدية، الثورة التي ما كان فرويد نفسه مدركاً لها، فقد استهل لاكان هذه العودة عبر قراءة لسانية لكل ما كتب عن التحليل النفسي، وأوجزها بصياغة باتت اليوم من أشهر مقولاته: «اللاوعي مبني مثل اللغة»، فقد ساد تصور عن اللاوعي، مفاده أن هذا الأخير هو ميدان الحفزات اللاعقلانية، وأنه يتعارض مع الأنا العقلاني الواعي، غير أن هذه الرؤية تنتمي في نظر لاكان إلى فلسفة الحياة الخاصة بالمذهب الرومانتيكي، ولا تمت لفرويد بصلة، ولئن استثار اللاوعي الذي اكتشفه فرويد هذا القدر من الفضيحة، فليس بسبب الادعاء بأن الأنا العقلاني خاضع في طبيعته لميدان الغرائز اللاعقلانية والعمياء، الواسع والرحب، بل لأن فرويد بيّن كيف يخضع اللاوعي ذاته لمنطقه الداخلي.

اللاوعي يتكلم ويفكّر، فهو ليس مجرد خزان لحفزات همجية، يتعين على الأنا ترويضها، إنه المعقل حيث تعبّر حقيقة صدمية عن نفسها، هذه هي النسخة التي قدمها لاكان عن جملة فرويد القائلة: «حيث كان الهو ستكون الأنا»، لكن بماذا تختلف طروحات لاكان عن التيار الرئيس في مدارس التحليل النفسي وعن فرويد نفسه؟ إن البعد الفلسفي هو أول ما يلفت الانتباه في نظرية لاكان مقارنة بالمدارس الأخرى، ليس التحليل النفسي بمعناه العميق جداً بالنسبة إلى لاكان، نظرية أو ممارسة، تضع الأفراد في مواجهة مع أكثر الأبعاد جذرية للوجود الإنساني.

أول ما يلفت الانتباه هو المفتاح الذي استخدمه لاكان في عودته إلى فرويد، المتحدر من حقل خارجي عن التحليل النفسي، ذلك أن لاكان استدعى تشكيلة متباينة من النظريات، بغية النبش عن الكنوز الفرويدية الدفينة، من لسانيات دو سوسير، إلى أنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس، مروراً بنظرية المجموعات الرياضية، وفلسفات أفلاطون، وكانط، وهيجل، وهيدجر، والنتيجة أننا لا نجد نظيراً لأغلبية المفاهيم المفتاحية التي أتى بها لاكان في النظرية الخاصة بفرويد الذي لم يأت على ذكر ثلاثية: التخيلي والرمزي والواقعي، ولم يتكلم عن الذات بل اقتصر مبحثه على الأنا.

فروع معرفية

يستخدم لاكان مصطلحات مقتبسة عن فروع معرفية أخرى، كأدوات استفاد منها لوضع تمييزات موجودة بصورة مسبقة - ولو ضمنياً - عند فرويد، حتى وإن لم يكن الأخير على وعي صريح بها، على سبيل المثال إذا كان التحليل النفسي هو علاج بالكلام، ويعالج الاضطرابات المرضية بالكلمات فحسب، فإن عليه أن يقوم بممارسته على تصور معين عن الخطاب.

إن طرح لاكان في هذا الصدد هو أن فرويد لم يكن مدركاً لأهمية فكرة الخطاب المنضوية تحت نظريته وممارسته، وأننا من المستحيل أن نطور هذه الفكرة من دون الرجوع إلى لسانيات دي سوسير، ونظرية أفعال الكلام، والديالكتيك الهيجلي في شأن الاعتراف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yhynapzf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"