عادي

تعرف إلى المثالية الجديدة في الفلسفة

21:06 مساء
قراءة 3 دقائق
رودولف كريستوف أويكن

القاهرة: الخليج

صدر كتاب «معنى الحياة وقيمتها» للفيلسوف الألماني «رودولف كريستوف أويكن» أويكن (1846 – 1926) (ترجمه عن الألمانية محمد المهذبي) الذي ينطلق من الحياة باعتبارها مركز تفكيره، وقد لاحظ أن الطبيعة لا يمكن أن تكون منطلق الحياة ومنتهاها، مثلما اعتقد بعض معاصريه، تحت تأثير الطفرة العلمية التي تحققت في القرن التاسع عشر، ومع أن أويكن لم ينكر أهمية الحياة الطبيعية، فهو يعتقد أنها تشكل مستوى أدنى من الحياة، في حين تمثل الحياة الروحية مستوى أعلى، وهي تتميز باستقلاليتها، أي تحررها من الحتمية، التي تخضع لها الطبيعة.

بذلك يتحقق التوازن – في رأيه – بين اعتبار الحياة جزء من الطبيعة، وهو ما يفقدها الحرية بسبب خضوعها للحتمية، وبين النزعة الفردية التي تضع الفرد وحريته في أساس كل تصور، وتخسر الحياة بالتالي حقيقتها الموضوعية وثباتها، أي أنه يقف ضد المذهبين الطبيعي والعقلاني، فكلاهما حسب رأي أويكن، لا يعترف بالإنسان، من حيث كونه شخصاً، أي فرداً حراً، ويستند المذهب الطبيعي إلى مذاهب الفلسفة الوضعية والمادية، التي تلتقي في اعتبار المجتمع والطبيعة خاضعين للمبادئ الحتمية نفسها، وهو ما يعني أن كليهما موضوع للدراسة العلمية بالمنهج نفسه. بالإنسان.

* تحديات

لذا اعتبر أويكن مذهبه «مثالية جديدة» نشأت في مواجهة تحديات مختلفة عن تلك التي ميزت سياق ظهور المثالية الألمانية السابقة عليها لدى كانط وهيجل وفيشته، على سبيل المثال، ثم إن فلسفة أويكن تقوم على ما يسميه الكفاح من أجل الوجود الروحي، ولعل ذلك ما جعل تلميذه ماكس شيلر يعتبر أعماله واقعة في منزلة بين البحث العلمي الفلسفي وبين الأدبيات الفلسفية التعليمية، ومن المفيد هنا أن نوضح أن مفهوم الحياة الروحية عند أويكن يشمل الدين كما يشمل الفن والعلم وغيره من الأنشطة الإبداعية والمعرفية، وهو العالم اللامرئئ في مقابل العالم المرئي.

تزامنت سنوات دراسة أويكن الجامعية مع أوج ردة الفعل على الفلسفة العقلانية التجريدية التي جسدها فلاسفة كبار مثل هيجل وكانط وفيشته وكان شوبنهاور أكثر الفلاسفة أتباعاً، أما الفلسفة الوضعية التي ازدهرت في فرنسا وبريطانيا بتمجيدها المفرط للعلوم وللتقنية، فلم تكن كافية لتعويض الفراغ الذي تركه انهيار الفلسفة المثالية وتراجع الدين.

وكانت ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر تعيش أجواء تسودها الرغبة في اللحاق بالثورة الصناعية، وأنساها الانتشاء بالتقدم العلمي والتكنولوجي ما خلفه ذلك من فراغ روحي لدى الإنسان، وأصبحت الحياة تشهد تناقضاً صارخاً بين الحياة الذاتية والحياة الموضوعية، وتذبذباً بين عمل بلا روح وشعور لدى الفرد بالعزلة، ولعل ذلك ما أجج الإحساس عند أويكن بضرورة تطوير رؤية جديدة للحياة في كليتها، ولن يقدر على ذلك حسب رأيه سوى الفكر الفلسفي، حتى وإن أراد الاتجاه السائد في عصره أن يجعل من الفلسفة إما مجرد تاريخ للأفكار الفلسفية أو خادمة للعلوم.

* جائزة

حاز أويكن على جائزة نوبل في الأدب عام 1908 والأرجح أن أحداً لم يعد يذكره حتى في ألمانيا نفسها، غير أنه لا يستحق النسيان الذي لحقه بعد وفاته – على حد تعبير المترجم – لأن أعماله لا تخلو من أهمية حتى بعد مرور أكثر من قرن على نشرها، وقد كان هناك من يعتبره أحد أعظم مفكري عصره، حيث ولد في الخامس من يناير سنة 1846 ومات أبوه وهو في الخامسة من عمره، فنشأ تحت رعاية والدته، التي كان لها دور كبير في حياته، وتلقى تعليمه بمسقط رأسه قبل أن ينتقل إلى برلين لاستكمال دراسته الجامعية.

انتقل أويكن سنة 1871 لتدريس الفلسفة بجامعة بازل السويسرية التي كانت تضم يومها أساتذة من أشهرهم نيتشه، وكان لتلك الفترة تأثيرها على تطور فكره، لا سيما من خلال الحوار غير المباشر مع نيتشه الذي يشير إليه أويكن كثيراً في أعماله، وإن اختلف الاتجاه، ويمكن القول: إن أويكن يلتقي مع نيتشه في رفض الأنساق الفلسفية العقلانية، وكذلك في نقد واقع الحضارة الأوروبية في القرن التاسع عشر.

* إعجاب

يقول أويكن: إنه التقى في إحدى زياراته للسويد بملك البلاد الذي عبّر له عن إعجاب والده الشديد بأعماله، وكان إعلان حصوله على جائزة نوبل تتويجاً منطقياً لجهود امتدت على مدى سنين، فقد ترجمت أعماله إلى لغات كثيرة وأعيد نشرها مرات حتى قبل حصوله على الجائزة، غير أن الاحتفاء الواسع به في الخارج، لم يقابله سوى اهتمام محدود في بلده، ولعل ذلك يعود إلى تراجع المذاهب المثالية في ألمانيا بتأثير النزعات المادية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7yduam

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"