عادي
خلافات بين المطلّقين تبدأ مع العام الدراسي وتحسمها المحكمة

الولاية التعليمية.. صراع بين الآباء والأمهات يدفع ثمنه الأبناء

00:55 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: محمد الماحي
الولاية التعليمية من القضايا التي تثير جدلاً مستمراً وترد كثيراً في أروقة المحاكم، من دون دراية حقيقية بالمعنى المراد منها. وتُعد كابوساً لدى كثير من الأمهات بعد الانفصال، بعد دخولهنّ في نزاع مع الآباء عن مستقبل الطفل المحضون، وحق كل منهما فيه.

مع بداية كل عام دراسي، تشتعل المحاكم بالنزاعات بين المطلّقين، بسبب الولاية التعليمية التي تُعدّ من أكثر الدعاوى المعقدة في المحاكم؛ لأن كل شخص يرى نفسه أحقّ بها، من دون مراعاة مشاعر الطفل وحقه في العيش بسلام. وتستمر النزاعات بينهما في نوع التعليم المناسب للطفل المحضون ومستواه، هدفها الفعلي الانتقام من الطرف الآخر، من دون حساب آثارها النفسية والاجتماعية في الأطفال.

رغم أن التعديلات الأخيرة لقانون الأحوال الشخصية، أقرت أن الولاية التعليمية للأم الحاضنة، ما لم تسقط عنها الحضانة، فالولاية التعليمية معناها حق إدارة شؤون الطفل التعليمية، قبل بلوغه السن القانونية، إلا أن النزاع بين المطلقين مازال قائماً.

1
عبيد الصقال - عبدالله الكعبي - نواف النعيمي
  • مصلحة المحضون

«الخليج» تناقش نزاع الولاية التعليمية مع خبراء، بما يحقق مصلحة المحضون، ويجيبون عن سؤال: لمن تعود الولاية، إذا وقع الطلاق، وكان الطفل في حضانة الأم؟

أجمع الخبراء والمتخصصون، على أن هناك بعض الآباء والأمهات يستغلون المشكلات والأزمات بعد الطلاق، ويستخدمون الولاية التعليمية نوعاً من الانتقام. ودلّلوا على أقوالهم بحكايات وقصص واقعية عن الزوجات والأزواج الذين عانوا الخلافات الزوجية والنكايات، مستخدمين حق الولاية في التعليم أو الصحة، أو غيرهما من أمور الولاية التي أقرها الشرع الحنيف، وحسمها المشرّع الإماراتي بمواد قانونية لا جدال فيها.

وأشاروا إلى ضرورة تعزيز ثقافة الطلاق الناجح، وتأهيل المقبلين على الزواج، فضلاً عن زيادة الوعي والثقافة لدى الأبوين بحق الأطفال، وعدم استخدامهم وسائل ضغط بينهما، لكسب المزيد من الفوائد في حال اللجوء إلى المحاكم.

وأكدوا أن النزاع على الولاية التعليمية، قد يحرم الطلبة متابعة تحصيلهم العلمي بانتظام، وتسبب لهم ضغوطاً نفسية، تنعكس سلباً على تحصيلهم العلمي.

  • انتقام الأطراف

كما تجوّلت «الخليج» في أروقة عدد من محاكم الأحوال الشخصية في الدولة، واطّلعت على قصص كثيرة لحضانة الأبناء رواها أصحابها بالدموع، منها آباء يتعنّتون في نقل أبنائهم إلى مدارس أقل كُلفة، أو الامتناع عن منح الأم الأوراق الثبوتية لتسجيل أبنائهم في مدارس، أو اختيار مدارس بعيدة من سكن الأم، بهدف الانتقام. فيما تختار بعض المطلقات الحاضنات، مدارس خاصة وأجنبية، ذات مصروفات دراسية عالية، لإلحاق أبنائهنّ بها، لإرهاق الأب مالياً.

ويقول المحامي والمستشار القانوني عبيد الصقال: يصل العناد بين الزوجين، بعد الانفصال في بعض الحالات، إلى مراحل مؤسفة تمسّ الأبناء مباشرة، من بينها الخلاف على النظام التعليمي والمدارس المناسبة للأطفال. ولا شكّ في أن هذا السلوك يؤثر سلبياً، وبشكل عميق، في نفسية الأطفال، ويعرّضهم لهزات كبيرة، تؤثر في مستواهم الدراسي؛ فأسوأ ما يمكن أن يتعرض له طفل، إجباره على ترك مدرسته، أو تغيير مساره التعليمي، لأسباب غير مبررة، أو مرتبطة بوضع مادي، ولكن لمجرد العناد والمكابرة.

وأضاف أن المشرّع الإماراتي حرص على الحدّ من هذه السلوكات، وأسّس قاعدة تضع أولوية حماية الطفل ورعاية مصالحه، قبل أي طرف آخر. وتعد الولاية التعليمية إحدى هذه المصالح؛ فيتعين للقائم عليها مراعاة ذلك، ولا يتخذ منها وسيلة للمكايدة أو التنكيل أو تحقيق مآرب خاصة.

مشيراً إلى أن المادتين (148/‏1،178/‏1) من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي وتعديلاته، تنصّان على أن كل ما له علاقة بالولاية على النفس، مثل التعليم والتربية والتوجيه، واجب على والد المحضون، ثم على غيره من أولياء النفس، حتى لو كان لدى حاضنته، إذ لا يتعارض حق الحضانة مع حق الولاية.

  • القدرة المالية

ويتفق المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي، مع ما سبق، ويضيف إليه: «الولاية التعليمية تكون للأب بغضّ النظر عما إذا كانت حضانة الأبناء مع الأم، أم غيرها، ولذلك يكون اختيار المدارس من الأب، على حسب قدرته المالية، ولكن من دون تعسف في ذلك. وإذا كانت المدرسة بعيدة من سكن الأبناء، يكون الأب ملزماً بتوفير وسيلة المواصلات لانتقالهم منها، وإليها، وللتدليل على تعمد الأم الإضرار بالأب في هذا الشأن، يمكن للأب تقديم عروض لرسوم مدارس تتناسب مع قدرته المالية، وفي هذه الحالات يستجيب قاضي التنفيذ».

وشدد الكعبي، على حرص المشرّع الإماراتي والجهات المعنية في الدولة على حماية الأبناء، سواء في حال استمرار العلاقة الزوجية أو بعد وقوع الطلاق، وكذا تشديد العقوبات على كل ما ينال من حقوق الأبناء وسلامتهم الجسدية والنفسية.

  • السلوك السليم

وأشار اختصاصي الطب النفسي نواف يوسف النعيمي، إلى أن على الوالدين حل مشكلاتهما بشكل يتماشى مع مصلحة أبنائهما، حتى لو وصلت علاقتهما إلى مكان مسدود يتطلب الانفصال، فعليهما إنهاء هذا الزواج بشكل سليم، من دون التأثير في صحة أبنائهما النفسية، أو إقناعهم وتهيئتهم للقرارات التي اتفق الزوجان عليها، سواء انتقالهم إلى مسكن آخر، والاضطرار إلى تغيير مؤسستهم التعليمية.

وقال إن شعور القلق والإحساس بالذنب، قد ينتاب الطفل خلال انفصال الوالدين، وإن تغيّر بيئته الدراسية التي ستترتب عليها تغيّر المعلمين والزملاء في الفصل، قد تؤثر بشكل مباشر في مستواه الدراسي، إذ غالباً ما سيكون غير فعّال في الفصل، ومع المعلم بسبب الإحباط. مشيراً إلى أنه لا بدّ من تمهيد مسألة الانتقال إلى مدرسة أخرى على الطفل وإقناعه بالأسباب التي دعت إلى ذلك إلى تسهيل اندماجه في المدرسة الجديدة التي انتقل إليها.

وأوضح النعيمي، أن إطلاق العنان لروح الانتقام بعد الطلاق، يحدث تأثيرات وشروخاً عاطفية عميقة في نفسية الأبناء، وتترك آثاراً سيئة، ليس على الأطفال المحضونين فقط، وإنما على المجتمع بأكمله، عندما ينطلق هؤلاء الأبناء إليه بنفسيات مريضة، من جراء الصراعات والخلافات، التي شهدوها بين أبويهم، سواء أثناء الزوج أو بعد الطلاق، حيث يصابون بالاكتئاب أو انفصام الشخصية.

  • قصص مأساوية

«الخليج» رصدت قضايا في محكمة الأحوال الشخصية، بخصوص نزاع الولاية التعليمية بين المطلقين، منها ما هو منطقي في الذرائع التي رفع أصحابها من أجلها الدعاوى، ومنها ما يبتعد تماماً عن المنطق المقبول؛ أولى هذه القضايا التي نظرتها محاكم الدولة، لزوجة تقيم مع زوجها في إحدى إمارات الدولة، ونظراً للمشكلات الزوجية، قررت أخذ أبنائها والذهاب للسكن في منزل والدتها في إمارة أخرى، وعليه نقلت أطفالها إلى مدارس قريبة منها، ما أثار غضب الزوج، فأعاد أبناءه إلى مدرستهم الأولى، لأنه الولي عليهم.

رفعت الزوجة عريضة إلى قاضي الأمور المستعجلة، تشرح فيها معاناتها مع زوجها، ورفعها دعوى طلاق، وتطلب إصدار قرار بإلزام الزوج نقل أطفالها إلى مدارس قريبة من سكنها الجديد، لأنها حاضنة لهم، وفقاً للقانون. ورفض إصدار القرار، لأنه لم يصدر قرار بحضانة الزوجة لأطفالها، ما ترتب عليه عدم ذهاب الأبناء إلى المدرسة، انتظاراً للفصل النهائي في قضية الطلاق المعروضة أمام المحكمة.

  • الانتقام

تقول «م.ر» إن زوجها بعد الطلاق، انتقم منها، ورفض أن يقدم لابنها في المدرسة حتى يساومها على الحضانة. وأضافت أن طليقها اتهمها بإهمال أبنائها، وتركهم مع الخادمة، والخروج من المنزل في ساعات متأخرة من الليل، ملمحاً إلى عدم استقامتها، للتنازل عن الحضانة.

وأوضحت أن المحكمة، رغم ادعائه، رفضت الدعوى التي تقدم بها لإسقاط الحضانة، وتضرر ابنها الذي تأخر في التسجيل في المدرسة.

وبيّنت حيثيات بعض القضايا، أن بعض المطلقات الحاضنات يخترن مدارس خاصة وأجنبية، ذات مصارف دراسية عالية، بغرض إرهاق الآباء مالياً، والانتقام منهم، وعادةً ما يلجأ الآباء للمحاكم، لنقل أبنائهم إلى المدارس الحكومية، أو مدارس خاصة ذات مصاريف تناسب إمكاناتهم المالية، ويحصل الأبناء فيها على تعليم جيد. وهو ما بيّنته المحكمة الاتحادية العليا، عندما أيدت أحقية أب مطلّق، بنقل أطفاله الثلاثة من مدارس خاصة إلى مدارس حكومية، بعد أن أقام دعوى طالب فيها مطلقته تسليمه أوراقهم الرسمية لإجراءات النقل.

وفي قضية ثالثة، نقضت المحكمة حكماً قضى بزيادة نفقة مطلقة، ومصروفات مدارس خاصة للأطفال المحضونين، مؤكدة حق ولي الأمر في تحديد المدارس التي سيلتحق بها أبناؤه في جميع الأحوال، حكومية، أو خاصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3c3kaem7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"