العملة الرقمية للبنك المركزي

21:42 مساء
قراءة 4 دقائق

بلال باغيش *

بدأت الأنظمة المالية الرقمية وطرق الدفع غير التلامسية، تحل شيئاً فشيئاً محل الاستخدام النقدي الآخذ في الانخفاض عبر المجتمعات العالمية، وبوصفها خيار دفع إضافياً، وجديداً كلياً، تمهد العملة الرقمية للبنوك المركزية الطريق للمعاملات النقدية المستقبلية مع اعتماد أساليب دفع جديدة.

ومنذ عام 2020، بدأ الطلب على الخدمات عبر الإنترنت يؤثر جلياً في الاقتصادات العالمية، كيف لا، وقد أحدثت الجائحة تحولات مفصلية دفعة واحدة كانت لتأخذ من خمس إلى عشر سنوات لتحدث لولاها.

وفي ظل هذه المتغيرات التي سببتها التكنولوجيا، تستمر تقنيات التشفير في هز الهيكل المالي التقليدي عالمياً. وبات معروفاً أن

ال«بلوك تشين»، هي عرابة هذا التغيير. ولأجل ذلك، تبنّتها بعض البنوك المركزية، وبدأت إصدار أموالها الرقمية الخاصة؛ لتنافس العملات المشفرة. ومن الحقائق المعروفة، أنه حتى التحويلات الإلكترونية التي نجريها عبر البنوك اليوم، هي في الواقع جزء من عملية تعتمد على النقود الورقية المحفوظة في الخزائن. ولأن النظام المالي التقليدي مبني على هذه الأموال المادية، فإن عمليات التحويل تلك عرضة أيضاً للتغيير مع عمليات الرقمنة الأوسع.

ومن المتوقع أن تُكمّل العملات الرقمية للبنوك المركزية نظيرتها الورقية، وتُسهل التحول المالي والامتثال الرقمي. وبهذا المعنى، يمكن أيضاً اعتبارها بمنزلة رد فعل صارخ من البنوك المركزية على الاتجاه السائد للرقمنة والعملات المشفرة والمستقرة، وحتى على انتشار شركات التكنولوجيا المالية الأخرى.

في الوقت نفسه، وعلى عكس النقود الإلكترونية الحالية، والتي يمكن اعتبارها ودائع للخدمات المصرفية القياسية اليوم، سيتم إصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية على شكل دين لمصلحة البنوك المركزية نفسها، ما يعني منح المزيد من الثقة للمستخدمين، وتقوية ذراع المؤسسات المالية الأقوى على مستوى الدول، ومنح نفوذ أكبر لصنّاع السياسات.

ومن المتوقع أن يكثف بنك الاحتياطي الفيدرالي العمل لإنشاء عملة رقمية خاصة به بعد تطويره مؤخراً نظام الدفع الفوري «FedNow» والذي يتيح للأفراد والشركات إرسال الأموال واستلامها بكفاءة أعلى. ومن المقرر أيضاً أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي البرنامج التجريبي لليورو الرقمي في خريف عام 2023، بعد أن أعدّت المفوضية الأوروبية الإطار القانوني المناسب له.

وحققت السويد تقدماً جديراً بالثناء في أوروبا من خلال برنامجها التجريبي للكرونا الإلكترونية. ومن المنتظر كذلك أن تبدأ المملكة المتحدة واليابان عمليات تنفيذ مشاريع العملة الرقمية لديهما في عامي 2025 و2026.

وعلى الرغم من تعرضها لعقوبات اقتصادية غير مسبوقة، تتحضر روسيا هي الأخرى لتجربة الروبل الرقمي مركزياً. وهي التي ترى، إضافة إلى الصين، أن العملات الرقمية للبنوك المركزية، تعد بديلاً مهماً للهيمنة المالية الغربية.

وبهذا الصدد، من المحتمل أن يكون مشروع اليوان الرقمي الصيني الأكثر شهرة وتقدماً على الإطلاق بين مشاريع العملات الرقمية للبنوك المركزية في الاقتصادات العالمية الكبرى. وقد وصلت الصين بالفعل إلى مئات الملايين من المستخدمين في مجالات مختلفة من التجارب ذات الصلة.

بدورها، تشهد تركيا عملية رقمنة سريعة في مجال التمويل والخدمات العامة بفضل بنيتها التحتية الرقمية القوية وارتفاع الطلب. ويعمل البنك المركزي التركي جاهداً لجعل تركيا واحدة من أوائل الدول التي تتبنى النقود الرقمية. وقد أطلق البنك بالفعل الدفعة الأولى من الليرة التركية الرقمية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022. وفي عام 2023، ستنضم العديد من البنوك المحلية الجديدة ومشاريع التكنولوجيا المالية إلى هذه العملية.

في غضون ذلك، يتباين سبب اهتمام الدول بالعملات الرقمية للبنوك المركزية، فبعضهم يرى بهذه التكنولوجيا الحديثة فرصة فريدة لزيادة الشمول المالي، والبعض الآخر يراها بديلاً جديراً بالثقة للدولار الأمريكي والبنية المالية العالمية المتركزة في الغرب. وهناك من يعدون العملات الرقمية للبنوك المركزية، ابتكاراً بالغ الأهمية، لتعزيز فكرة التداول بالعملات الوطنية. ناهيك عن العديد من المزايا الأخرى المتوقع الاستفادة منها، بما في ذلك الشفافية والسرعة وخفض كُلف المعاملات المالية. كما أن العملات الرقمية للبنوك المركزية، ستساعد في رفع كفاءة التحويلات الاجتماعية والحوافز، وتوفير الأداء الأكثر مرونة لآلية الائتمان، وستدعم أيضاً الجهود الرامية إلى إنشاء اقتصاد عالمي رقمي جديد ومتعدد الأقطاب.

لا شك بأن عملية الرقمنة المالية قد بدأت بالفعل منذ سنوات، عندما حلت المحافظ الإلكترونية والحسابات المصرفية وتطبيقات الدفع والرموز الرقمية وأنظمتها عبر الإنترنت محل العمليات المادية التقليدية جزئياً. وقد عززت ثورة العملات المشفرة في عام 2008 والجائحة في عام 2020 وتيرة هذا التحول.

وبينما تشرف البنوك المحلية المستقلة على توفير كل هذه الأموال الإلكترونية التقليدية وتضمن حمايتها، ستكون العملات الرقمية للبنوك المركزية بمنزلة نوع جديد من أدوات الدفع المقدمة والمضمونة مباشرة من قبل البنوك المركزية ذات السلطة المالية الأقوى.

وبالتالي، سيتجنب الجمهور المخاطر الناجمة عن البنوك المستقلة والانهيارات المصرفية وشبح الديون وإعادة الهيكلة، وغير ذلك من الأزمات المتواترة مؤخراً. وعلى عكس النقود الإلكترونية القديمة، لن تحتاج العملات الرقمية للبنوك المركزية إلى أي ضمان مادي في خزائن تلك البنوك أو البنك المركزي نفسه.

* خبير اقتصادي وأستاذ زائر في جامعة سابانجي التركية (صحيفة ديلي صباح)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yb73mujk

عن الكاتب

خبير اقتصادي وأستاذ زائر في جامعة سابانجي التركية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"