عادي

كشف أسرار «عملية مخابراتية» لترهيب المدعية العامة السابقة لـ «الجنائية الدولية»

15:36 مساء
قراءة 7 دقائق
كشف أسرار «عملية مخابراتية» لترهيب المدعية العامة السابقة لـ «الجنائية الدولية»

بعد أيام من إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تلقيه تهديدات، إثر طلبه إصدارات مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، كشف تقرير لصحيفة «الغارديان» البريطانية، أسراراً حول تهديدات مماثلة تلقتها مدعية الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا، من قبل رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» السابق يوسي كوهين، على مدار عدة اجتماعات سرية حاول خلالها الضغط عليها للتخلي عن التحقيق في اتهامات بارتكاب «جرائم حرب».

ويشير التقرير الذي نشرته الصحيفة البريطانية، الثلاثاء، إلى أن الاتصالات السرية التي أجراها يوسي كوهين مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة جرت في الفترة التي سبقت قرارها فتح تحقيق رسمي في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويؤكد التقرير أن التحقيق الذي بدأ في عام 2021 بلغ ذروته عندما أعلن كريم خان - خليفة بنسودا- قراره بالتقدم بطلب إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، إلى جانب ثلاثة من قادة حركة «حماس»، معتبراً أن ذلك «ما تخشاه المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية منذ فترة طويلة».

  • ماذا فعل الموساد؟

يكشف التقرير البريطاني، عن أن «الموساد» صرح بأنشطة على مستوى عالٍ ضد المدعية العامة السابقة، وتم تبريرها على أساس أن المحكمة الجنائية الدولية شكلت تهديداً بالملاحقة القضائية ضد أفراد عسكريين، وفقاً لمسؤول إسرائيلي كبير، فيما قال مصدر إسرائيلي آخر مطلع على العملية ضد بنسودا إن هدف الموساد كان «تعريض المدعية العامة للخطر أو تجنيدها كشخص يتعاون مع مطالب إسرائيل»، بينما أكد مصدر ثالث مطلع على العملية أن كوهين كان بمنزلة «الموفد غير الرسمي» لنتنياهو.

وتنقل الصحيفة عن أربعة مصادر أن كوهين، الذي كان أحد أقرب حلفاء نتنياهو في ذلك الوقت ويظهر كقوة سياسية بحد ذاتها في إسرائيل، قاد شخصياً مشاركة الموساد في حملة استمرت ما يقرب من عقد من الزمن لتقويض المحكمة. وأكد أربعة مصادر أن بنسودا، أطلعت مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على محاولات كوهين التأثير فيها، وسط مخاوف بشأن طبيعة تصرفاته المهددة بشكل متزايد.

المدعية السابقة أفصحت رسمياً للمحكمة الجنائية الدولية حول هذه المسألة، حيث كشفت أن كوهين، مارس ضغوطاً عليها في عدة مناسبات لعدم المضي قدماً في تحقيق جنائي في قضية فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية. ووفقاً للروايات التي تمت مشاركتها، يُزعم أنه قال لها: «يجب عليك مساعدتنا ودعينا نعتني بك. أنت لا تريدين التورط في أشياء يمكن أن تعرض أمنك أو أمن عائلتك للخطر».

وقال أحد الأشخاص المطلعين على أنشطة كوهين إنه استخدم «تكتيكات سيئة» ضد بنسودا كجزء من «جهود فاشلة» لتخويفها والتأثير فيها. كما اهتم الموساد بشدة بأفراد عائلة بنسودا وحصل على نسخ من التسجيلات السرية لزوجها، وفقاً لمصدرين على دراية مباشرة بالوضع. ثم حاول المسؤولون الإسرائيليون استخدام هذه المواد لتشويه سمعة المدعية العامة.

متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال للصحيفة البريطانية إن: «الأسئلة المقدمة إلينا مملوءة بالعديد من الشكاوى الكاذبة التي لا أساس لها والتي تهدف إلى إيذاء دولة إسرائيل». ولم يستجب كوهين لطلب التعليق. ورفضت بنسودا التعليق أيضاً، وفقاً لما أوردته الغارديان.

ويأتي الكشف عن جهود الموساد للتأثير في بنسودا في الوقت الذي حذر فيه المدعي العام الحالي، خان، في الأيام الأخيرة من أنه لن يتردد في مقاضاة محاولات إعاقة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق في مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.

ولم يوضح متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية ما إذا كان خان قد راجع ما كشف عنه سلفه بشأن اتصالاتها مع كوهين، لكنه قال إن خان لم يلتق أو يتحدث مع رئيس الموساد على الإطلاق.

وفي حين رفض المتحدث التعليق على مزاعم محددة، فإنهم قالوا إن مكتب خان تعرض لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر في أنشطته.

وكان قرار خان بطلب إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، الأسبوع الماضي، هي المرة الأولى التي تتخذ فيها المحكمة إجراء ضد قادة دولة متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة وأوروبا. وترتبط الجرائم والتي تشمل توجيه الهجمات على المدنيين واستخدام التجويع كوسيلة للحرب ـ بالحرب المستمرة منذ ثمانية أشهر في غزة. لكن قضية المحكمة الجنائية الدولية تعود إلى عام 2015، عندما قررت بنسودا فتح تحقيق أولي حول الوضع في فلسطين، ولم يتم إجراء تحقيق كامل.

وأثار قرار بنسودا، غضب إسرائيل التي تخشى من محاكمة مواطنيها بسبب تورطهم في عمليات في الأراضي الفلسطينية. وكانت إسرائيل منذ فترة طويلة صريحة بشأن معارضتها للمحكمة الجنائية الدولية، ورفضت الاعتراف بسلطتها. وكثف الوزراء الإسرائيليون هجماتهم على المحكمة؛ بل وتعهدوا بمحاولة تفكيكها. وبعد وقت قصير من بدء التحقيق الأولي، بدأت بنسودا وكبار المدعين العامين في تلقي تحذيرات بأن المخابرات الإسرائيلية كانت تهتم عن كثب بعملهم.

ووفقاً لمصدرين، كانت هناك شكوك بين كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بأن إسرائيل قامت بتنمية مصادر داخل قسم الادعاء في المحكمة، المعروف باسم مكتب المدعي العام. وأشار آخر في وقت لاحق إلى أنه على الرغم من أن الموساد «لم يترك توقيعه»، فإن ذلك كان افتراضاً بأن الوكالة كانت وراء بعض الأنشطة التي علم المسؤولون بها. ومع ذلك، لم يتم إبلاغ سوى مجموعة صغيرة من كبار الشخصيات في المحكمة الجنائية الدولية بأن مدير الموساد قد اتصل شخصياً بالمدعي العام.

ويبدو أن أول تفاعل لكوهين مع بنسودا، قد حدث في مؤتمر ميونيخ الأمني ​​في عام 2017، عندما قدم مدير الموساد نفسه للمدعي العام في تبادل قصير. وبعد هذه المواجهة، نصب كوهين كميناً لبنسودا في حادثة غريبة في جناح فندق في مانهاتن، وفقاً لمصادر متعددة مطلعة على الحادث. وكانت بنسودا قد زارت نيويورك عام 2018 في زيارة رسمية، وكانت تجتمع مع كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية آنذاك، في الفندق الذي يقيم فيه. وكان قد التقيا عدة مرات من قبل فيما يتعلق بالتحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة المرتكبة في بلاده. وفي مرحلة معينة من الاجتماع بعد أن طُلب من موظفي بنسودا مغادرة الغرفة، دخل كوهين، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع. وقالوا إن الظهور المفاجئ أثار قلق بنسودا ومجموعة من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.

وذكرت ثلاثة مصادر أنه بعد الاجتماع المفاجئ مع كابيلا وبنسودا في نيويورك، اتصل كوهين مراراً هاتفياً بالمدعية العامة وطلب عقد اجتماعات معها. ووفقاً لشخصين مطلعين على الوضع، سألت بنسودا، كوهين في إحدى المراحل كيف حصل على رقم هاتفها، فأجاب: «هل نسيت ما أفعله من أجل لقمة العيش؟».

وأوضحت المصادر أن رئيس المخابرات حاول في البداية بناء علاقة مع المدعية العامة ولعب دور «الشرطي الصالح» في محاولة لسحرها. وقالوا إن الهدف الأولي يبدو أنه كان تجنيد بنسودا للتعاون مع إسرائيل. ومع مرور الوقت، تغيرت لهجة اتصال كوهين وبدأ في استخدام مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك «التهديدات والتلاعب»، حسبما قال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماعات. ودفع هذا بنسودا إلى إبلاغ مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسلوكه.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت المدعية العامة أن لديها أسباباً لفتح تحقيق جنائي كامل في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. ومع ذلك، فقد أرجأت إطلاقه، وقررت أولاً أن تطلب حكماً من الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لتأكيد أن المحكمة لها بالفعل ولاية قضائية على فلسطين.

وقالت مصادر متعددة إنه في هذه المرحلة، بينما نظر القضاة في القضية، صعّد كوهين محاولاته لإقناع بنسودا بعدم متابعة تحقيق كامل في حال أعطاها القضاة الضوء الأخضر.

وقالت المصادر إنه بين أواخر عام 2019 وأوائل عام 2021، كانت هناك ثلاثة لقاءات على الأقل بين كوهين وبنسودا، جميعها بمبادرة من رئيس المخابرات. ويقال إن سلوكه أصبح يثير قلق مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بشكل متزايد. وقال مصدر مطلع على روايات بنسودا عن الاجتماعين الأخيرين مع كوهين، إنه أثار تساؤلات حول أمنها وأمن عائلتها، بطريقة دفعتها إلى الاعتقاد بأنه كان يهددها.

وفي إحدى المناسبات، يقال إن كوهين عرض على بنسودا نسخاً من صور زوجها، والتي تم التقاطها سراً عندما كان الزوجان يزوران لندن. ومن جهة أخرى، بحسب المصادر، اقترح كوهين على المدعي العام أن قرار فتح تحقيق كامل سيضر بمسيرتها المهنية. وقالت أربعة مصادر مطلعة على الوضع إنه في نفس الوقت تقريباً اكتشفت بنسودا ومسؤولون آخرون في المحكمة الجنائية الدولية عن أن المعلومات كانت متداولة بين القنوات الدبلوماسية المتعلقة بزوجها، الذي كان يعمل مستشاراً للشؤون الدولية.

وبين عامي 2019 و2020، وفي قرار غير مسبوق، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب قيوداً على التأشيرة وعقوبات على المدعي العام للجنائية الدولية. وجاءت هذه الخطوة رداً على سعي بنسودا إلى إجراء تحقيق منفصل في جرائم الحرب في أفغانستان، التي يُزعم أن حركة طالبان وأفراد عسكريين أفغان وأمريكيين ارتكبوها. ومع ذلك، ربط مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، حزمة العقوبات بالقضية الفلسطينية. وقال: «من الواضح أن المحكمة الجنائية الدولية لا تضع إسرائيل في مرمى نيرانها إلا لأغراض سياسية بحتة». وبعد أشهر، اتهم بنسودا، دون الاستشهاد بأي دليل، بـ«التورط في أعمال فاسدة لمصلحتها الشخصية». وتم إلغاء العقوبات الأمريكية بعد دخول الرئيس جو بايدن البيت الأبيض.

وفي فبراير/شباط 2021، أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية حكماً يؤكد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الشهر التالي، أعلنت بنسودا عن فتح تحقيق جنائي. وقالت في ذلك الوقت: «في النهاية، يجب أن ينصب اهتمامنا الأساسي على ضحايا الجرائم، الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، الناجمة عن دورة العنف وانعدام الأمن الطويلة التي تسببت في معاناة عميقة ويأس لدى جميع الأطراف».

وأكملت بنسودة فترة ولايتها البالغة تسع سنوات في المحكمة الجنائية الدولية بعد ثلاثة أشهر، تاركة الأمر لخليفتها خان لتولي التحقيق. ولم تكتسب تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية أهمية متجددة إلا بعد هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والحرب التي تلت ذلك على غزة، وبلغت ذروتها في الطلب الذي تقدم به الأسبوع الماضي لإصدار أوامر اعتقال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/khnvjyft

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"