عادي

ميانمار تسدد فاتورة عجز الأمم المتحدة

23:50 مساء
قراءة 4 دقائق
إعداد- بنيمين زرزور:

كرّس فشل الجمعية العمومية في الاتفاق حول عقد اجتماع بشأن حظر توريد الأسلحة إلى ميانمار، العجز المستمر للمنظمة الدولية في حل أكثر أزمات العالم إلحاحاً؛ نتيجة الخلافات التي تعصف بالدول الأعضاء، خاصة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ليبقى الوضع المتأزم في تلك الدولة الآسيوية مفتوحاً على كل الاحتمالات.

كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد فشل في مارس/ آذار الماضي في التوصل إلى اتفاق حول الأزمة في ميانمار في ظل صراع القوى الكبرى، وتباين مواقف بعض الدول الأعضاء في المجلس حول ادعاءات بدعم الديمقراطية، وأخرى بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وقد أصدر المجلس قراراً شديد اللهجة كعادته، عندما لا يملك القدرة على الفعل؛ حيث دان فيه بشدة مقتل مئات المدنيين؛ بينهم نساء وأطفال.

وقد أرجأت الجمعية العامة الأسبوع الماضي اجتماعاً كان يفترض أن يخصص للبحث في قرار غير ملزم يطالب بالتعليق الفوري لأي عملية نقل أسلحة إلى ميانمار. وأرجئ الاجتماع إلى أجل غير مسمى؛ نتيجة الفشل في توفير التأييد الكافي للموافقة على عقده. وكان لافتاً موقف مجموعة دول الآسيان التي تردد بعضها في الموافقة على الاجتماع الذي يتطلب موافقة أغلبية دول العالم المنضوية تحت لواء المنظمة الأممية وعددها 193 دولة.

وكانت دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة، ومشاركة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا قد دفعت جمهورية «ليختنشتاين» لطرح مشروع القرار الذي ترعاه 47 دولة أوروبية وأمريكية وإفريقية، إضافة إلى دولة آسيوية واحدة؛ هي كوريا الجنوبية.

قرارات غير ملزمة

و على الرغم من أن نص القرار الذي يصدر عن الجمعية العمومية لا يكون ملزماً، فإن ما يجري يعكس حرص الأطراف ذات المواقف المتناقضة من الأزمة في ميانمار، على كسب تأييد سياسي بدرجة ما، كخطوة استباقية لما قد يحمله تطور الأزمة مستقبلاً من مفاجآت خاصة وأنها تضاف إلى مجموعة أخرى من البؤر الساخنة في آسيا وسط تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين.

ويعكس نص القرار الأولي الكثير من الدوافع التي حفزت الدول المؤيدة له، والتي تكشف بوضوح عن حرص دول الغرب التي تدعي دعم الأنظمة الديمقراطية في العالم، على مناكفة الدول التي تدعم قيادة الانقلاب من العسكريين والتي يتهمها الغرب بالتسلط والاستبداد. ويدعو القرار الذي لم يحظ بالتأييد الكافي لعقد الجلسة، إلى التعليق الفوري لتوريد أو بيع أو النقل المباشر وغير المباشر لجميع الأسلحة والذخيرة والمعدّات العسكريّة الأخرى إلى ميانمار. كما يدعو الانقلابيين الذين أطاحوا أونج سان سو تشي رئيسة الوزراء، في انقلاب عسكري منذ فبراير/شباط، إلى رفع حالة الطوارئ، والحد من استخدام العنف ضدّ المتظاهرين السلميّين، والإفراج الفوري وغير المشروط، عن الرئيس وين مْيِنت، والزعيمة المدنيّة سو تشي، التي قال بيان للجيش قبل ثلاثة أيام، إنها سوف تظهر في وقت قريب. كما يدعو البيان العسكريين إلى المسارعة في تنفيذ خطة إعادة النظام الديمقراطي للبلاد الذي اتفقت عليه مجموعة الآسيان في القمة التي عقدتها في 25 إبريل / نيسان الماضي بحضور زعيم الانقلابيين الجنرال مين أونغ هلاينغ.

موقف جنوب شرق آسيا

وكان زعماء جنوب شرق آسيا قد اتفقوا في نهاية أعمال القمة التي عقدت في العاصمة الإندونيسية، جاكرتا، على خطة لإنهاء الأزمة. وطالبوا زعيم الانقلابيين بوقف أعمال العنف ضد المحتجين، والإفراج عن المسجونين السياسيين في إطار خطة من خمس نقاط أقرها أونغ هيلانغ؛ وهي: إنهاء العنف؛ وبدء حوار بنّاء بين جميع الأطراف؛ وتعيين مبعوث خاص لمجموعة «آسيان» لتيسير الحوار؛ وقبول المساعدات؛ وزيارة مبعوث المجموعة إلى ميانمار، لمتابعة مواقف جميع الأطراف والوقوف عليها. وكان اجتماع قادة «آسيان» يومذاك، هو أول جهد دولي منسق؛ لتخفيف حدة الأزمة في ميانمار، منذ انقلاب الأول من فبراير/ شباط.

إلا أن المجموعة التي تضم في عضويتها دولة ميانمار، لا تمثل الوزن السياسي الفاعل القادر على فرض شروطه على الانقلابيين الذين يحظون بدعم دول ذات حضور أقوى إن كان على المسرح العالمي أو في علاقاتها مع ميانمار والمؤسسة العسكرية فيها.

وكانت الشبكة الآسيوية للانتخابات الحرة، التي قالت: إن مراقبيها كانوا يتواجدون في 13 ولاية من ولايات ومناطق ميانمار البالغ عددها 14 أثناء العملية الانتخابية، قد أكدت بأن الانتخابات التي أجرتها ميانمار العام الماضي؛ عبّرت عن إرادة الشعب، وأنه لا يوجد مبررات لاستناد الجيش إلى عيوب مزعومة في الانتخابات؛ للاستيلاء على السلطة.

وتوحي تطورات الأزمة في ظل الفشل في التوافق على عقد اجتماع الجمعية العمومية، بحجم الخلافات التي تفصل بين الدول الفاعلة ليس في ميانمار وحدها؛ بل في نقاط ساخنة عدة في العالم؛ فقد حذرت روسيا من فرض عقوبات بحق ميانمار على خلفية قمع المحتجين، واعتقال المشاركين في التظاهرات. وقالت وزارة الخارجية الروسية: إن «التهديدات والضغط والعقوبات ضد السلطات في ميانمار لا تجدي نفعاً، وقد تنطوي على تبعات خطرة للغاية؛ باعتبارها تسهم في تعزيز الخلاف بين الأطراف، ما قد يتطور إلى حرب أهلية».

نفوذ روسيا والصين

ويتهم الاتحاد الأوروبي كلاً من روسيا والصين بعرقلة أي جهد عالمي ضد صانعي الأزمة. وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: إن روسيا والصين تعرقلان أي رد فعل دولي موحد على الانقلاب العسكري في ميانمار.

وتدعم كل من روسيا والصين اللتين تحتفظان بعلاقات قوية مع الجيش في ميانمار، المؤسسة العسكرية، وتتقاسمان تزويدها بالأسلحة والعتاد الحربي والتدريب. بينما يُعِد الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة على أفراد وشركات مملوكة للجيش؛ بعد أن أقر في مارس / آذار الماضي حزمة أولية من العقوبات على 11 فرداً مرتبطين بالانقلاب؛ من بينهم القائد العام للجيش.

ويحول تقاسم القوى الكبرى النفوذ، وسيطرتها على قرار الأطراف المتنازعة، دون اتخاذ موقف حاسم في المحافل الدولية سواء منها مجلس الأمن أو الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وفي ظل هذا العجز الناتج عن تضارب المصالح، يغيب احتمال التوصل إلى حل سريع للأزمة التي تستنزف الأرواح، وتعمّق الشرخ بين المكونات الإثنية والسياسية، ما يهدد بتصعيد وشيك بالتناغم مع التوترات التي تتسارع في جنوب شرق آسيا في إطار جهود واشنطن الحثيثة لمحاصرة الصين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"