عادي
قرأت لك

«الأزياء والحلي».. رحلة في الفلكلور الإماراتي

22:41 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
على الرغم من الانفتاح الكبير على التراث ودراساته في الدولة، إلا أن المكتبة الإماراتية تكاد تخلو من الأبحاث التي تتناول المفردات التراثية الفلكلورية في مجال الثقافة المادية، خاصة في ما يتعلق بالأزياء وغيرها، وهي من الشواهد على الحياة في الماضي، كما أنها تشير إلى العادات والتقاليد التي سادت في البلد المعين، ولعل الإمارات ومنطقة الخليج ككل تتميز بخصوصية ثقافية تظهر في شكل الأزياء السائدة وأدوات الزينة لدى النساء، وغير ذلك من تقاليد تميز إنسان المنطقة عن غيره.

المؤلف جمعة خليفة بن ثالث الحميري، قدّم جهوداً كبيرة في مجال التراث والثقافة المادية والفلكلور، من خلال الجزء الثاني من كتابه «الأزياء والحلي الذهبية في دولة الإمارات»، وصدر عن معهد الشارقة للتراث في طبعته الأولى عام 2022، ويقدّم فيه المؤلف تنقيباً عميقاً في ما بتعلق بالعديد من المفردات الفلكلورية وعلى رأسها الأزياء والحلي، وبعض الأدوات الأخرى، ويشير إلى أن الملابس تختلف من مجتمع إلى آخر، باختلاف عادات الشعوب وتقاليدها؛ حيث احتلت الأزياء الشعبية مكانة بارزة في التراث الشعبي لمعظم دول العالم في الوقت الحاضر، حيث أنشأت لها الدول المتاحف، وعني المهتمون ودارسو الثقافات الشعبية بالملابس وأنواعها، بل وخصصت لها فروع في الجامعات تتعهد بالدراسة والبحث والتحليل.

تعدد

والكتاب يقع في 393 صفحة من القطع الكبير، وينقسم إلى 10 أبواب، وهي تتحدث عن «أنواع الأقمشة وألوانها»، و«لباس المرأة»، و«لباس الرجل»، و«تفصيل الملابس»، و«العطورات والحناء»، و«صناعة التلى واستخدامه»، و«أنواع الحلي الذهبية ومسمياتها»، و«المهن والحرف اليدوية»، و«الأعراس في الماضي»، و«المصطلحات في الأزياء والحلي الذهبية»، والكتاب مدعّم بصور فوتوغرافية، تلقي الضوء على كل تلك المفردات التراثية، الأمر الذي يوفر المتعة لدى القارئ، كما يتضمن معلومات كثيرة، تمنح المتلقي فكرة كافية عن التراث المادي والفلكلور الإماراتي؛ حيث يضم الكتاب كمّاً كبيراً من المعلومات التي لم تعد متداولة حتى في الكتب المتخصصة، بالإضافة إلى المصادر التي استقى منها المؤلف مادته البحثية.

ولعل الكتاب قد قدّم آفاقاً جديدة للمؤلف نفسه، وأتاح له هذا البحث القيّم الكثير من الأشياء التي لم يكن يعلم عنها الكثير، حيث زار عدة أماكن للوصول لمعلومات دقيقة عن الذهب والحلي الإماراتية، وفوجئ بأنواع جديدة من الحلي يراها للمرة الأولى، وتطرق في أحد الفصول لموضوع الأقمشة؛ حيث لفت نظره من خلال بحثه واطلاعه اهتمام العنصر النسائي في اختيار الأقمشة، حيث كان هنالك حرص من قبل النساء على اختيار الأقمشة بعناية، وأيضاً اختلاف الأقمشة المستخدمة لملابس البيت والزيارات والمناسبات والأعراس، إضافة إلى تفاصيل أخرى ترتبط بالحياة الاجتماعية للمرأة في السابق، فعلى سبيل المثال تتعمد المرأة أن يكون الثوب طويلاً عند ذهابها للأعراس، وهنالك البرقع الذي تختلف أسماؤه وتتنوع أشكاله؛ حيث شكل الزي لدى المرأة اهتماماً واسعاً وكانت المرأة هي من تقوم بحياكة ثوبها وخياطته، وفي هذا السياق فإن المؤلف يتناول العديد من التفاصيل الاجتماعية والطقوس المتعلقة بالزواج وكيف تُخطب المرأة، ويشير الكتاب إلى أن هناك ملابس لا ترتديها سوى المرأة المتزوجة كالسويعية وهي تختلف عن العباءة، وأيضاً ترتدي «الفتخ» وهو خاتم ذهب أو فضة تضعه المرأة في إبهام القدم، ويقتصر ارتداؤه على السيدات، بينما الفتيات يرتدين «المنثورة»، وهناك «الطبلة»، و«المشلة»، أو «الطاسة»، و«المرية»، فيما كان الذهب مصدر اهتمام خاص وكبير لدى المرأة الإماراتية في الماضي.

رحلة

يأخذ الكتاب القارئ في رحلة ممتعة عبر الماضي القديم؛ حيث بداية العلاقة بين البشر والملبس والظروف التي قادت إلى ذلك الأمر، ويشير إلى أن المتتبع لتاريخ استخدام الملابس والأزياء القديمة من قبل الإنسان يجده قد بدأ منذ العصور الإنسانية القديمة، عندما شعر بقسوة الطبيعة، فدفعه التفكير إلى صنع ما يقي من بردها الشديد وحرها اللافح، كما دفعته الحاجة إلى ستر جسده بورق الشجر والحشائش والليف وجلود الحيوانات وفرائها، قبل أن يتخذ من الكتان والصوف وغيرها خيوطاً ليكوّن منها نسيجاً بسيطاً يلبسه.

وفي هذا السياق فإن الكتاب يتناول اللبس والأزياء في الحضارات القديمة، عند المصريين القدماء، وبلاد ما بين النهرين، وعند الأشوريين، والإغريق، والرومان، والعصر البيزنطي والقبطي، وغير ذلك في تجوال بديع وممتع، ولئن كانت تلك قصة العلاقة الأولى بين الإنسان والأزياء، فإن الكتاب يتابع تفاصيل تلك الحكاية إلى لحظة ظهور الأزياء الحديثة، وبالطبع فإن الكاتب يركز بصورة أساسية على الإمارات في عهود سابقة.

ويقدّم الكتاب شرحاً وافياً حول العديد من الأشياء والتفاصيل الدقيقة المتعلقة بالأزياء التي كانت سائدة في الإمارات خلال فترة معينة، وهو لا يكتفي بعرض أشكالها وأنواعها، بل يضيف إليها ارتباطها بالثقافة والفن والاقتصاد والسياسة، ويجمع العديد من الأمثلة الشعبية والقصائد الشعرية التي تذكر فيها المفردات التراثية من أزياء وحلي وغير ذلك، كما يتناول أنواع القماش ومواسم ارتدائها بين فصلي الصيف والشتاء، ويلفت الكتاب إلى أن الأقمشة كان لها العديد من المسميات المختلفة مثل «بوبنكة»، و«لفة المطر»، و«بوحرارة»، إضافة إلى مسميات الألوان.

طقوس

والمؤلف يضعنا في قلب الطقوس الاجتماعية والمناسبات المختلفة، ويشير إلى أن الكثير من الشعراء كانوا يتغزلون بالمرأة وزينتها ولباسها، وهي تتحلى بالذهب وثوبها التقليدي في الأعراس؛ حيث وصفت زينتها في قصائد شهيرة، ومع الذهب يحضر «المكسار»، وهي عادة تمارس في الأعراس الإماراتية، حيث تعرض العروس جميع مستلزماتها وحليها وذهبها وعطورها أمام الحاضرين، وبعد انتهاء حفل الزفاف تهدى ما تعرف ب«الرضوة» لأم العروس وخالتها وعمتها، وهي عبارة عن أقمشة وعطور ومختلف أنواع العود، وتختلف عادات الزواج بين المناطق المختلفة في الإمارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/462ryyty

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"