عادي

القارئ السيئ.. ناقد مسكون بألف شبح

14:07 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

حين تكون بإزاء قراءة نص من النصوص فإنك تسأل: كيف يسعني أن أقرأ النص قراءة جيدة؟ لكن هناك سؤال آخر هو: كيف يمكنني أن أقرأ النص قراءة سيئة؟ هذا السؤال وغيره يطرحها الكاتب مكسيم ديكو في كتابه «في مديح القارئ السيئ» (ترجمه إلى العربية جلال العاطي ربي) وفي ما يمثل إجابة قال ديكو: إن القراءة السيئة ليست بحال من الأحوال أكثر بداهة ووضوحاً من القراءة الجيدة، القراءة السيئة التي لا تسلم جبينها لما استقر عليه من الأعراف والتقاليد، هي كل شيء عدا أن تكون قراءة سلبية، إنها قراءة تبتدع ألف طريقة وطريقة، فهي تعمل وتناور وتستولي وتنهب، وترخي العنان لنفسها.

هذه الممارسة تتدخل عفواً في لحظات تغيير وتحول في مجرى القراءة الجيدة، وتأسيساً عليه فإن التفكير في هذه المقولات لا يسير من تلقاء ذاته، إذ إنه لا وجود لحدود، لا بينية ولا مكشوفة، ولا مستحيلة العبور، تفصل بينها، ما الذي يخول لك أن تصرح قائلاً إنك قرأت هذا النص أو ذاك جيداً؟ من الصعب نسبياً أن تكون على يقين من ذلك، وعلى ذات المنوال هل في وسعك أن تقرر من دون تردد بأن قراءة من القراءات سيئة في عمقها؟

يمكنك أن تسيء القراءة لأن تأويلك جانب الصواب، أو أيضاً لأنك على صعيد عاطفي وجداني كانت قراءتك متأثرة بمشاعر حرفتها وشوهتها، لكن من الصعوبة بمكان أن نميز بوضوح الدوائر الفكرية عن الدوائر الوجدانية، ولهذا السبب يحدث بتكرار أكثر مما نعتقد أن يعلق القارئ السيئ بدقة على العمل الأدبي الذي يقرأه، ويغدو قارئاً سيئاً، لأن ردود أفعاله حياله، كانت من غير اتخاذ مسافة منه، أو كانت بطريقة غير مناسبة.

*بديل

يرى المؤلف أن "القراءة السيئة لا يمكن أن تختزل إلى مجرد قراءة أخطأت غايتها، وإنما هي قراءة تقتفي سبلاً ملتوية، وعديمة القيمة، وحقيرة الشأن، وغالباً ما يستهان بقواها الخلاقة، ولهذا من المناسب أن يقر في الأذهان نوع من «النص الشبح» يأتي ليصير بديلاً للنص الأول، فحسب أنواع القراءة السيئة يمكن ملاحظة أن هذه الأطياف غير المنظورة من الجميع، تسكن القارئ السيئ، وكيف أنه يعمل على جعلها تظهر سواء كان ذلك بتبني قراءة مسكونة بالعواطف والانفعالات أو قراءة فاترة ولا مبالية، وهكذا نرى كيف يؤثر النص في القارئ السيئ وكيف يؤثر القارئ السيئ نفسه في النص.

غير أن العقبة– كما يشير مؤلف الكتاب– هي أن القارئ السيئ يبدي نشاطاً صامتاً، ليس بمحظور عليه، إن القراءة السيئة تنتمي إلى طرقنا في القراءة، وهي جزء لا يتجزأ من ثقافتنا في القراءة، والتي نكون فيها مجرد قراء عاديين وأبعد عن القراء الخبراء، لكنها تكون بعامة خلوا من إطار يعترف بها، ويقر لها بالمشروعية.

يوضح المؤلف أن طريق تحولك إلى قارئ سيئ يتمثل في أن ترخي العنان لنفسك لتتأثر بكتاب ما على نحو من الإسراف والغلو يجعل أفعالك وأفكارك تتغير من النقيض إلى النقيض، إنه لمن العسير علينا أن نتمثل إلى أي حد كانت القراءة ثورة بالنسبة إلى الإنسانية وتغييراً جذرياً لها حيثما شب فتيلها، وبناء على ذلك فإن كل شيء قابل للتغيير، خاصة لما يفطن المرء إلى أن بوسعه أن يقرأ وحيداً، ومن أجل ذاته بعيداً عن الأعين المتطفلة، ومن ثم فنحن هنا بإزاء ما يمكن أن ندعوه بخصخصة القراءة.

*توجس

يرى المؤلف أن التوجس من القارئ السيئ لا يمكن أن ينفصل عن توجس آخر: التوجس من الكتاب السيئ، حتى إن كان الإجماع ينعقد حول هذه المسألة فالقارئ السيئ والكتاب السيئ أمسيا منذ القرن السابع عشر، خطراً عاماً حقيقياً وموضوع تأمل وتفكير، تسير على إيقاعه الحياة الفكرية برمتها، وهكذا سيرسخ القرن السابع عشر وعصر الأنوار في الأذهان أن الكتاب الجيد قد يصنع القارئ السيئ، وأن القارئ الجيد بدوره صنيعة للكتاب الجيد، فالقراء يعتقدون في القدرات التربوية للعمل، وفي قوة الكتاب.

تكاد تكون القراءة السيئة شكلاً من أشكال الاحتجاج على فرض الدلالات سواء بوساطة النص أو الثقافة، لأن الأمر يتطلب قدراً معيناً من الشجاعة لمباشرة قراءة سيئة، فلا جدال أن هذه الأخيرة تلامس في بعض الأحيان حدود الاعتباطية وفساد الطوية، وإذا ما فشل الفهم المعياري للنص، فإن هذا الإخفاق يدفع القارئ السيئ إلى البحث عن منطق وممارسات تعويضية، ذلك أن قراءته السيئة هي رد فعل على شعوره بعدم الرضا عن العمل وتأويله المشفر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwbu7fp2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"