عادي

السودان.. مفاوضات تحت النار

22:41 مساء
قراءة 4 دقائق
الوفدان السودانيان مع الميسرين «السعودية والولايات المتحدة» خلال جولة مفاوضات سابقة

د. أميرة محمد عبدالحليم*

على الرغم من حالة التفاؤل التي بعثتها تحركات مختلفة خلال الأسبوعين الأخيرين لعدد من القوى الوطنية والإقليمية لحلحلة الأزمة الراهنة في السودان، وكان استئناف مفاوضات جدة بين طرفي الصراع أبرز هذه التحركات، إلا أن آلة الحرب لم تتوقف لتستمر المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

أعلنت وزارة الخارجية السعودية في 29 أكتوبر 2023 استئناف المحادثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على أن تركز المحادثات على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتحقيق وقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة وإمكانية التوصل لوقف دائم للأعمال العدائية، على ألا يتطرق النقاش خلال هذه المرحلة لأي قضايا سياسية.

وعبرت ردود أفعال طرفي الصراع في السودان حول المفاوضات في جدة عن استعداد جاد من كليهما لقبول الوساطة الخارجية ومحاولة التهدئة، حيث التقى قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بالمبعوث السويسري للقرن الإفريقي سلفاين استير وأكد له أن الجيش لا يرغب في أن يكون طرفاً في أي عملية سياسية مستقبلاً ولن يتدخل في إدارة الحكومة الانتقالية المستقلة، كما رحبت قوات الدعم السريع بالبيان المشترك لفريق الوساطة (الولايات المتحدة والمملكة السعودية) مؤكدة التزامها بالمبادئ الأساسية للتفاوض وقواعد السلوك التي أقرها الوسطاء وأنها ستعمل جاهدة لإيصال المساعدات وحماية المدنيين.

تقدم الدعم السريع في دارفور

على المستوى الميداني تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أكبر مدينتين في إقليم دارفور بعد شهور من المعارك الشرسة مع الجيش السوداني، هما مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور ومدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور حيث تتمتع المدينتان بأهمية عسكرية واقتصادية وجغرافية كبيرة، تنذر باحتمالات أن تتمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على إقليم دارفور بأكمله وكذلك مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان التي تحاصرها قوات الدعم السريع، مع إمكانية أن تعلن هذه القوات حكومة موازية في الإقليم بما يعد استنساخاً ل«النموذج الليبي».

حيث تعد مدينة نيالا ثانية كبرى المدن بعد الخرطوم من حيث الكثافة السكانية (يبلغ عدد سكانها 3.4 مليون نسمة) وكذلك تضم ثاني أكبر حامية عسكرية في السودان، وتقع تحت قيادة الفرقة (16) وعلى رأسها قيادة المنطقة العسكرية الغربية، فضلاً عن أن المدينة تعد مركزاً لتصدير الصمغ العربي، وتضم مطاراً دولياً وخطاً للسكة الحديد، وتحاذي جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية جنوب السودان وقريبة من دولة تشاد، أما مدينة زالنجي فتضم هي الأخرى حامية عسكرية للجيش السوداني، وتمثل حلقة لإيصال المساعدات من الهيئات الإنسانية وتعد مركزاً لتجمع النازحين من الحرب، نظراً لموقعها الاستراتيجي حيث تحاذي من الغرب دولة تشاد ومن الجنوب إفريقيا الوسطى.

كما لم تمنع محادثات جدة من استمرار التصعيد العسكري لقوات الدعم السريع في الخرطوم وإقليم كردفان، فشنت قوات الدعم في 31 أكتوبر، تزامناً مع الهجوم على مدينة زالنجي هجمات على ولاية غرب كردفان الغنية بالنفط.

كما أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في زيارته لمنطقة وادي سيدنا العسكرية في شمال أم درمان في 31 أكتوبر أن القوات المسلحة مستمرة في المعركة حتى تدحر التمرد، وأن الحل العسكري سيكون ضرورياً إذا رفضت قوات الدعم السريع السلام.

تدهور الوضع الإنساني

وعلى الصعيد الإنساني أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن السودان سجل أكبر عدد من الأطفال النازحين حيث تم دفع نحو 3 ملايين للنزوح قسراً، وأكدت المنظمة أن 700 ألف طفل أقل من 5 سنوات في السودان يعانون سوء التغذية الحاد الشديد ويواجهون خطر الموت، كما تضاعفت أعداد الأسر التي تعاني الجوع في السودان من جراء الحرب. وأشار المتحدث باسم المنظمة في وقت سابق إلى أن أكثر من 20.3 مليون شخص أو أكثر من 42% من سكان البلاد يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهذا ينطبق بشكل خاص على المناطق التي تحتدم فيها الاشتباكات خاصة مدن العاصمة، وإقليم دارفور وجنوب وغرب كردفان في ظل وجود 7.1 مليون نازح داخلياً، و70 من المستشفيات لا تعمل في مناطق الاشتباكات، وانتشار لأمراض الكوليرا وحمى الضنك والحصبة والملاريا حيث يتعرض النظام الصحي في السودان لضغوط هائلة بسبب الصراع الذي أفقده الكثير من عوامل التأهيل وأهمها المستلزمات الطبية والأدوية والمنشآت الصحية التي تعرض الكثير منها للاحتلال والنهب والتدمير.

كما اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 11 أكتوبر 2023 قراراً بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدها السودان منذ اندلاع الصراع في 15 إبريل 2023.

كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على القائد الثاني للدعم السريع عبد الرحيم دقلو لارتكابه انتهاكات وجرائم وحشية بما في ذلك ما ارتكب في دارفور، وكذلك قائد الدعم السريع في غرب دارفور الجنرال عبد الرحمن جمعة لتورطه في خطف وقتل حاكم ولاية غرب دارفور خميس أبكر.

وأخيراً، يمكن القول إن الجولة الجديدة من مفاوضات جدة تحمل الكثير من مؤشرات النجاح في التوصل إلى اتفاق بين طرفي الصراع في السودان حيث حرص الطرفان على إبداء تفهمهما للمسار التفاوضي وأهميته في هذه المرحلة الخطرة من الصراع.

ويبدو أن الجانب الإنساني كان عاملاً مؤثراً في دفع طرفي الصراع نحو قبول استئناف المفاوضات. كما أن ارتباك المشهد العسكري خلال الأسبوعين الأخيرين ينذر بتغيرات كبيرة في السيطرة المكانية لقوات الدعم السريع، حيث أصر طرفا الصراع على استمرار المعارك رغم الانخراط في جولة جديدة من المحادثات أملاً في أن تنعكس نتائج الاشتباكات على المسار التفاوضي.

* باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fp83ru7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"