«بايدنوميكس» وبطاقات الائتمان

21:25 مساء
قراءة 4 دقائق

جون كلار *

تاريخياً، تحمل ديون بطاقات الائتمان معها معدل فائدة أعلى من القروض المضمونة، سواء الرهون العقارية أو قروض السيارات. ومع ذلك، فإن المعدلات التي يتم فرضها على معظم بطاقات الائتمان اليوم فاقت كل النسب السابقة، وبدأت تؤثر بشكل خاص في الأفراد من ذوي الدخل المنخفض، مع استمرار الضغوط التضخمية مثل أسعار الوقود والمواد الاستهلاكية والإيجار في سحق أنماط المعيشة التقليدية السابقة لملايين الأمريكيين.

لقد جلبت سياسات بايدن الاقتصادية معها تضخماً عنيداً ومستمراً أثر بشدة في الفئات الأكثر ضعفاً في أمريكا. لذلك، كان من المنطقي أن تفرض الشركات رسوماً أعلى على الديون ذات المخاطر الأعلى، خاصة الإقراض الاستهلاكي غير المضمون، حيث ترتفع معدلات التخلف عن السداد. كما هددت دورة رفع أسعار الفائدة المتسارعة بإغراق المستهلكين الذين يعانون بالفعل شبح التخلف عن سداد قروضهم. وبدأت بنوك بفرض مزيد من الرسوم المضافة إلى رسوم الفائدة الأساسية، ما أثر أيضاً بشكل غير متناسب في المستهلكين الفقراء الذين لم يعد بإمكانهم تجنبها.

بالتالي، عموماً لا يبشر ارتفاع رسوم بطاقات الائتمان بالخير بالنسبة للمشتريات المستقبلية، لا بل أصبح عائقاً بأثر رجعي في النفقات السابقة، حيث يتعين على المستهلكين دفع المزيد والمزيد من الفوائد على الأشياء التي اشتروها العام الماضي، والتي لم يتم الانتهاء من سداد ثمنها بعد. ناهيك عن الضغوط التضخمية التي تؤثر في الأساسيات الأخرى، مثل أسعار البنزين التي ارتفعت بنسبة 63% خلال ثلاث سنوات، من 2.18 دولار في أكتوبر 2020، إلى 3.55 دولار في المتوسط الوطني الآن، إضافة إلى وقود التدفئة الذي تضاعف سعره أيضاً من 2.13 دولار إلى 4.51 دولار قبيل الشتاء المقبل، الذي يسبق موسم الانتخابات الرئاسية. وإذا ما اعتبرنا أن «الإنفاق الاستهلاكي» و«الطلب» هما المحرك الأساسي للاقتصاد الأمريكي، سنجد أن الإنفاق الحالي قوي، لكنه يتغذى جزئياً على نوع من الهروب من واقع يعج بالاضطرابات والصراعات. فالإسراف في التسوق، يشبه الشراهة في تناول الطعام، كلاهما مريح في أوقات القلق، ويعطي الأفراد شعوراً بالسيطرة. وقد يكون الإنفاق مدفوعاً أيضاً بالوعي لدى المستهلكين بأن ارتفاع الأسعار يجعل المشتريات اليوم أمراً منطقياً، حتى عند الاستدانة. ومن يدري، ربما فهم المستهلكون أخيراً، أن كميات العملة الأمريكية الورقية، غير المدعومة بالذهب، التي تطبعها الحكومة، بدأت تتقلص. أما بالنسبة لمعظم المستهلكين، فلا مفر أمامهم من تحمل عبء زيادة الديون والرسوم ومدفوعات الفائدة على بطاقاتهم الائتمانية، خصوصاً بعد سياسة الإنفاق النقدي الجامح التي انتهجتها إدارة الرئيس جو بايدن، والتي هي في الأساس ديون يتم تسييلها على حساب الاستثمار الاقتصادي الحقيقي. وقد حذر صندوق النقد الدولي مؤخراً من أن مستويات الديون المتصاعدة تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، واصفاً الصحة المالية للولايات المتحدة بأنها «الأكثر إثارة للقلق» في العالم. إذ يمثل العجز الأمريكي البالغ 1.7 تريليون دولار للسنة المالية 2023، زيادة بنسبة 23% في ديون الدولة مقارنة بالعام السابق، منها 879 ملياراً كلفة خدمة الدين الوطني لمدة عام واحد.

لقد حازت الحروب الحاصلة على حيز كبير من ديون الإدارة الأمريكية الحالية، ومن المفترض أن تزداد هذه الديون عندما يربط رئيس الولايات المتحدة المساعدات العسكرية لإسرائيل بمزيد من التمويل لأوكرانيا. فضلاً عن تخصيص جزء ضخم من الإنفاق الجديد لمشاريع تغير المناخ التي تهدد بزعزعة استقرار العملة والاقتصاد الأمريكي. وهذا أمر لن يخدم البيئة بشكل أفضل؛ بل سيزيد معاناة الناخبين الأمريكيين الذين يكافحون من أجل البقاء. فالناس اليائسة لا تهتم بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون عندما يعاني أطفالهم من الجوع والبرد.

ومن خلال دفعها بما يسمى «الأيديولوجية التقدمية» لتحقيق العدالة الاجتماعية والمناخية، أطلقت الحكومة الأمريكية العنان لهجوم عكسي واسع على الأمريكيين من ذوي الدخل المنخفض. ومن أبرز هذه العوامل أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان. ففي فبراير/شباط 2022، بلغ سعر الفائدة الأساسي 3.25%، وكان متوسط سعر الفائدة المقدر على الحسابات 16.17%. وبحلول أغسطس/آب 2023، ارتفع سعر الفائدة الأساسي إلى 8.5%، وكان متوسط سعر الفائدة المقدر 22.77%. وتفيد تقارير «فوربس» أن متوسط سعر الفائدة على بطاقات الائتمان يبلغ الآن 28.15%.

ومع ذلك، فإن هذه المعدلات المختلطة لا تضيء سوى على جانب من المشهد. فالأمريكيون الذين يتمتعون بائتمان قوي وموارد مالية أفضل يدفعون أسعار فائدة ورسوماً أقل للحصول على الائتمان. ومن المحتمل أن يدفع أولئك الذين يتمتعون بدرجة ائتمانية أعلى من 740 فائدة بنسبة 16-18%؛ كما تواجه أسواق الرهن العقاري (تلك التي تتمتع بدرجات ائتمانية تتراوح بين 580 و669) معدلات فائدة تتراوح بين 22 و24%. أما المقترضون من فئة الرهن العقاري العميق (ممن لديهم درجات ائتمانية تقل عن 580) سيدفعون معدلات أعلى من 24%. وعليه، فإن درجة الائتمان هي انعكاس لنظام الائتمان الاجتماعي الأمريكي القادم، وترتبط إلكترونياً بالسجلات المصرفية والإنترنت. وهذا هو التفاوت في الثروة عملياً. وبما أنه من المرجح أن تستمر أسعار الفائدة المرتفعة على بطاقات الائتمان، وتكاليف المواد الغذائية والطاقة، في استنزاف ثروات المواطنين من الطبقة العاملة، يتبادر لأذهان المستهلكين الأمريكيين الذين يستعدون للتصويت في شتاء 2024 سؤال مهم، هل من الأفضل استثمار بعض الأموال الحكومية المقترضة، والتي يتم إنفاقها لتبريد الكوكب مناخياً وإشعاله عسكرياً، في تدفئة منازلهم ولجم التضخم وتحسين سبل عيشهم؟

* كاتب مستقل في الشؤون السياسية والاقتصادية من «فيرمونت» (ليبرتي نيشن)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4epy9b54

عن الكاتب

كاتب مستقل في الشؤون السياسية والاقتصادية من «فيرمونت»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"