عادي

سوسير وفتجنشتين.. أهم مؤثرَين في الفكر الغربي المعاصر

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

القاهرة: «الخليج»
ليس تاريخ علم اللغة الحديث تاريخ اكتشافات جديدة عن لغات لم تكن معروفة في العالم من قبل، بل هو تاريخ آراء متصارعة بصدد الطريق التي علينا اعتمادها في تحليل اللغة، وهو في هذا لا يجمعه بتاريخ الجغرافيا أو الفسيولوجيا أو أي من العلوم الطبيعية إلا أقل القليل.
يتناول أستاذ فلسفة اللغة وعلومها «روي هاريس» (1931 – 2015) في كتابه «سوسير وفتجنشتين.. فلسفة اللغة ولعبة الكلمات» (ترجمة فلاح رحيم) أهم مؤثرين في الفكر الغربي المعاصر، هما فرديناند دي سوسير ولودفيج فتجنشتين، وهما منذ منتصف القرن العشرين حتى يومنا هذا يقفان وراء أغلب النظريات والسجالات في مجال العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية حتى الرياضيات، وما سمي «المنعطف اللغوي» في الفكر الغربي بدأ اعتماداً على آرائهما اللغوية، واتسع ليشكل ما عرف بالبنيوية وما بعد البنيوية وصنوها ما بعد الحداثة.
لأن هذا المنعطف يخضع في يومنا هذا إلى مراجعات نقدية واسعة، لا يمكن متابعتها دون التعمق في أصوله ومشاكله، فإن سوسير وفتجنشتين يستحقان اهتماماً خاصاً، وقد اختار هاريس منهج المقارنة ليقدم إضاءات نقدية عميقة ودقيقة وشائقة لنتاجهما الإشكالي العسير.
تقع المقارنة في عشرة فصول كل واحد منها يختص بمبحث لغوي رئيسي في انشغالات الاثنين، الفصل الأول «النصوص والسياقات» يستعرض المهاد التاريخي الذي تطورت في سياقه آراء المفكرين وجاءت رداً على السائد فيه من قناعات، وهاريس يحرص طوال فصول الكتاب على موضعة فكر الاثنين في سياقه التاريخي، ليبرز ما فيه من خصوصية وتجديد.
وقد قاد كل منهما بطريقته الخاصة حركة فكرية تمكنت من السيطرة على الفكر اللغوي في القرن العشرين وكلاهما كان فاعلاً في إحداث إعادة تقويم جذرية للدور الذي تلعبه اللغة في الشؤون البشرية، ويمكن أن نوجز ما ترتب على إرادة التقويم هذه كما يلي: لم تعد اللغة ترى هامشية بالنسبة لفهمنا للعالم الذي نعيش فيه، بل أصبحت اللغة في المركز من هذا الفهم، ليست الكلمات تسميات صوتية مجردة أو ملحقات اتصالية مفروضة على نظام معطى مسبقاً للأشياء، إنها منتجات تصدر عن جماعات غايتها التفاعل الاجتماعي، وهي أدوات جوهرية يشكل بها البشر عالمهم، ويعبرون بها عنه.
تنطلق بقية الفصول لمناقشة أسئلة أساسية في مجال فلسفة اللغة وعلومها وهي عى التوالي: الأسماء والتسمية والوحدات اللغوية ومشكلة اللغة والفكر والنظام ومستخدموه والاعتباطية في اللغة، ومفهوم النحو، والتنوع والتغير اللغويين، مشكلة الاتصال اللغوي وأخيراً العلاقة بين اللغة والعلم، ما يضفي حيوية خاصة على أسلوب تأليف الكتاب أنه لا يتعرض للقناعات التي اعتمدها المفكران على أساس تسميتها وعرضها دون تعليق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36sw73da

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"